للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك على سائر الناس الدنانير والدراهم ونوافج المسك وبيض العنبر، وأنفق على المأمون وقواده وجميع أصحابه وسائر من كان معه من أجناده وأتباعه وكانوا خلقاً لا يحصى حتى على الجمالين والمكارية والملاحين وكل من ضمه عسكر. ولم يكن في المعسكر من يشتري شيئاً لنفسه ولا لدوابه. وذكر الطبري أن المأمون أقام عند الحسن تسعة عشر يوماً يعدُّ له في كل يوم ولجميع من معه ما يحتاج إليه. وكان مبلغ النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم. وكان رحيل المأمون نحو الحسن أبن سهل أي إلى فم الصلح لثمان خلون من شهر رمضان سنة عشر ومائتين. وفرش الحسن للمأمون حصيراً منسوجاً بالذهب؛ فلما وقف عليه نثرت على قدميه لآلئ كثيرة. فلما رأى تساقط اللآلئ على الحصير المنسوج بالذهب قال: قاتل الله أبا نواس كأنه شاهد هذه الحال حين قال في وصفه الخمر والحباب الذي يعلوها عند المزج:

كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء درٍّعلى أرض من الذهب

وقال الطبري أيضاً: دخل المأمون على بوران الليلة الثالثة من وصوله إلى فم الصلح، فلما جلس معها نثرت عليها جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب، فأمر المأمون أن تجمع، وسألها عن عدد الدر كم؟ فقالت: ألف حبة؛ فوضعها في حجرها، وقال لها: هذه نحلتك وسلي حوائجك. فقالت لها جدتها: كلمي سيدك فقد أمرك. فسألته الرضا عن إبراهيم بن المهدي عمه، والسماح لأم جعفر، وهي الست زبيدة. فقال: قد فعلت. فألبستها أم جعفر البدلة اللؤلؤية؛ وأوقدوا في تلك الليلة شمعة عبر وزنها أربعون مناً في تور من ذهب. فأنكر المأمون ذلك عليهم وقال: هذا إسراف. وقد قالت الشعراء والخطباء في ذلك فأطنبوا. ومما يستظرف فيه قول محمد بن حازم الباهلي:

بارك الله للحسن ... ولبوران في الختن

يا ابن هرون قد ظفر ... ت ولكن ببنت مَنْ

فلما نمى هذا الشعر إلى المأمون، قال: والله ما ندري أخيراً أراد أم شراً؟ وقد أمر المأمون للحسن عند منصرفه بعشرة آلاف ألف درهم، وأقطعه فم الصلح، فجلس الحسن وفرق المال على قواده وأصحابه وحشمه. وقد كان الحسن كثير العطاء للشعراء وأنشده:

تقول خليلتي لما رأتني ... أشد مطيتي من بعد حل

<<  <  ج:
ص:  >  >>