ومن هدى أولياء الأمر في الدين والدنيا بالنظر في إصلاحها على هدى المدينة الحديثة لتتسق مع الأداة المصرية الأوربية في الإدارة والتعليم والحكم. فدرست العلل، وكتبت التقارير، ووضعت الخطط، وجاء دور التنفيذ فجاء معه الهوى المستبد، والطمع المتهالك، والجهل المتنطع، والتردد الخوار، والمصانعة الحقيرة؛ فانهزمت فكرة الإصلاح وعادة كما بدأت - أحاديث في المجالس، ومقالات في الصحف، وتقارير في الأدراج! فماذا عسى أن يصنع هذا الوزير الفعال وإن أول ما عليه أن يهدم المتصدع ويقطع المؤوف، وربما اتسع الأمر على معولة ومبضعة فيستنفدان جهده ويستغرقان عهده. والهدم والقطع من وسائل الإصلاح لا من غاياته. على أنني شديد الثقة بكفاية هذا الرجل أن كان الأمر كما ترى بلاء العقول الجبارة ومحنة النفوس الكبيرة. وفي يقيني أنه سيعمل لأنه يريد. وأرادته في الأوقاف مطلقة على خلاف ما كانت في (الشؤون). وإن ما كان قد وجه إليه عزيمته من تحقيق الصلاح الاجتماعي بمجاهدة الجهل والفقر والمرض، يستطيع أن يصل إليه عن طريق الأوقاف؛ لأن الأوقاف إنما حبسها المحسنون على كفاح هذه البلايا الثلاث. ولو اجتمع لهذه الأحباس التي تربى على مائتي ألف فدان وستة وثلاثين ألف عقار، الرأس المدبر ولعين الكلوء واليد المصرفة والضمير العفن لهونت على المكدودين متاعب الحياة، وسهلت على المنكودين مصاعب العيش. ولكن هذه الينابيع الفياضة بخير الله قد ردها وا أسفاه! الإهمال والإخلال والعبث إلى أوشال من الرزق لا تكاد تفي بنفقات الإدارة وتكاليف الوزارة!
وزير الأوقاف القائم على شؤونها اليوم حقيق أن يكذب ظنون المتشائمين في إصلاح هذه الوزارة. وأن في ابتدائه بتنظيم الإدارة وأحياء الثقة واستثمار المتروك وتبسيط الإجراء وتعجيل التنفيذ لدليلاً على توخيه النجاح من أقرب طرقه. ولعل الأستاذ الوزير أول من أعلن لوزارة الأوقاف رسالة. ورسالتها كما جاء في حديثه لممثلي الصحف أن تسير على هدى الروح التي تتجلى في المدية الإسلامية: مدينة العلم والخلق والتعاون، فهيئ للمساجد - وهي التي كانت في صدر الإسلام مصدراً لكل ذلك - الوسائل الصحية والدينية والعلمية، ليكون كل مسجد من مساجد الوزارة، في كل قرية من قرى مصر، مؤسسة ثقافية تدير الأبدان بالطب، الأذهان بالعلم، وتطهر النفوس بالدين، وتوثق الأواصر بين الناس