للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهيكل إذ يقول: (إن الناس يستجيبون بطبيعتهم إلى الحياة الروحية لأنهم يبتغون الحق بفطرتهم) يقرر حقيقة قد قررها لدين، وجاء بها الإسلام، ففي القرآن الكريم (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها) وفي الحديث الشريف (كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه)، وهيكل إذ يرى أنه لولا ما يمده دعاة المادة من أسباب الضلال، لانهارت فوارق كثيرة ولتقاربت الأمم بدل أن تتباعد. إنما يرى حقيقة لا تنكر، بل إنها حقيقة يقررها كثير من أهل الفكر والثقافة، ويرونها الملجأ الذي سيلجأ إليه العالم بعد أن يضنيه وينهكه ذلك النضال المادي العنيف، ولقد كان من حسن التوافق أن أقرأ هذا الكلام لهيكل وقد وافتني جريدة الأهرام وفيها نبأ من لندن يقول: إن اجتماعاً عقد في (هيكل) العاصمة تحت رعاية جمعية الأديان المتعددة، وقد أوضحت السيدة الناطقة باسم هذه الجمعية أن غرضها إيجاد وحدة عالمية بواسطة التفاهم الروحي

وقد تكلم إمام جامع ووكنج فقال: (إن الوقت قد حان لجميع الأديان كي تدفن أحقادها، وتتحد على مقاومة موجة الكفر المتعالية، والتمسك بالأمور المادية في العالم وإهمال الأمور الروحية، وقال: إن جميع الأديان تأمر بالمعروف، وتنهي عن المنكر، فهي تشترك في وحدة أساسية، وهي تتفق على الإيمان بوجود الله وعلى تجلى الله للإنسانية، فيجب علينا إذن أن نتفاهم

وليطمئن هيكل وليطمئن إمام جامع ووكنج. فإن ذلك الحلم اللذيذ لابد أن يتحقق، لا أقول سيحققه فرد من الأفراد أو جماعة من الجماعة، وإنما أقول سيحققه الزمن بسنته وطبيعته وأفاعيله، وغداً سنرى وإن كنت لا أعلم متى يكون ذلك الغد أفي القريب أم في البعيد، ولكني لست مع الدكتور هيكل إذ يعلل جحود الماديين للحياة الروحية بالجهل ونقص العلم، فإن في الماديين الجاحدين أساطين العلم، ومن هم في الذروة التي لا نطاول عقلاً وثقافة، وإنما يرجع هذا الجمود على ما نرى إلى اعتقاد يقوم في أذهان أولئك الناس، وهو أن العقل كل شيء في الحياة، لا قول إلا قوله، ولا منطق إلا منطقه، فمن الواجب أن نُخضع لمنطقه كل ما نرى من المظاهر والظواهر، حتى ما يتصل بميولنا وعواطفنا، وفاتهم أن هناك القلب، يجب أن نجعل له اعتباراً كبيراً في شؤون الحياة، إلى جانب العقل، ويجب أن نعتقد بأن له منطقاً كمنطق العقل إن لم يكن أجل وأدق، وهو وحده الذي يشعرنا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>