فكان من الطبيعي أن يربط بين الكهرباء والصوت، فكان أن طلب مع فزيائيّ عصره تسخيرّ الكهرباء في حمل الصوت فسبقهم سبقاً قريباً، وحمل اختراعه إلى دار التسجيل، وحمل الأستاذ (اليشاجراي) اختراعاً مثله إلى دار التسجيل ولكن (بل) سبق (جراي) ببضع ساعات، فكان له السبق، وكان له وحده من بعد ذلك تمجيد القرون
والآن مضت سنوات كثيرة على ذلك، وتبع المختْرعَ الأول مخترعون عديدون، قام كل بنصيبه في تنمية التلفون وتمديده، وأولدوا منه التلفون اللاسلكي، واستعان المولود والوالد على ربط الأرض الدوّارة، مشارقها بمغاربها، ويابسها بمائها وسهولها بأحزانها، فأعْدَما بذلك من قيود الإنسان قيدَ الزمان وقيد المكان. فأنت تستطيع الآن وأنت في بيتك أن تتصل في ساعة بنحو أربعين مليون مشترك مفرَّقين في نواحي الأرض المترامية. وقد يقال إن في هذا الكفاية، ولكن الإنسان أمّال لا يفتأ يطلب المزيد. مثال ذلك أنه تضجرَّ من عاملات التلفون ومن إعناتهن، فذهبن، وأصبح التلفون في كثير من البلاد يعمل من نفسه بدون عاملة، ولا تمضي سنوات حتى يعم هذا النظام الجديد العالم كله. وشكا طالب الترنكِ الزمن الذي يقضيه في الانتظار ليتصل بألمانيا أو امريكا، فأصغى العلم إليه، وعن قريب ستتمكن من مخاطبة تلك البلاد والاتصال بها بعد برهات قصيرة من اعتزامك ذلك وشكا رؤساء الأعمال العالمية الواسعة أنهم كثيراً ما يريدون استشارة مرءوسيهم أو وكلائهم أو شركائهم في البلاد المختلفة فيضطرون إلى مكالمة واحد ثم ثان ثم ثالث، وذلك في الأمر الواحد، ثم يجدون بعد ذلك أنهم محتاجون إلى مراجعتهم، وسألوا ألا من سبيل إلى اجتماعهم جميعاً في مؤتمر واحد على التلفون، فقال العلم نعم، وفعلا جُرّبت دعوة أمثال هذه المؤتمرات في إنجلترا، وتحدث المؤتمرون كما لو اجتمعوا في حجرة واحدة على مائدة واحدة. وساعد على هذا النجاح بالطبع أن هؤلاء القوم إذا تناقشوا تكلم منهم واحد فقط واستمع الباقون
وهناك مطالب أخرى، وتكهنات أخْرى، وآمال واسعة ترمي كلها إلى تمكين الإنسان وترفيه. فمن المحتمل القريب الآن ان يتخاطب اثنان فيمتعان السمع والبصر، أما السمع فسمع الكلام، وأما البصر فبصر محيّا من تستمع له تُلقي صورته على لوحة أمامك. على أن هذا إن أمتع أناساً فسيزعج لا شك أناساً آخرين. فليست كل الوجوه يُستحب مرآها. وغير هذا فأنت اليوم تخاطب من تشاء وأنت على أي حال تشاء من لباس أو هيئة، أما