فرجعت إلى صاحب التفكير الواسع السيد جان جاك روسو فإذا هو يلقي القول الهادئ وقد لاقى من الزمان شدته فيقول - كلما كانت الوحدة التي أعيش فيها عميقة شاملة كانت الحاجة أدعى إلى بعض الذكريات لملء هذا الفراغ. . .
ثم اتجهت إلى البحر الزاخر والشاعر الحائر والروح الثائر السيد فيكتور هوجو فإذا به يصيغ القول على طريقته فيقول - إن المفكر المنبت كالصحراء، كئيب رغم الاتساع، مظلم رغم الضياء. . .
ثم رأيتني منذ عشرين عاما أستودع يومياتي الفرنسية في الغرب قولاً لم يتغير معي إلى اليوم، فكنت أقول - إن من لا حاضر له ينظر دائماً إلى ماضيه، ومن كان له حاضر فهو لا يرقب إلا مستقبلاً. ولكن أليست الحياة حاضراً قائما يتحول باستمرار إلى ماض يفوت ولا يموت. . .!
ثم لقيت في طريقي عجوزاً يناجي نفسه ويقول: الماضي! الماضي! هو القوى القدير. هو القوي القدير! الماضي! الماضي. . . فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله. . .
ثم ذكرت كلاماً كان عجيباً أن ينشر في (الحديقة والمنزل) وأن تنطوي صفحاتها على هذه العبرات جنب تلك الزهرات مما جعلني اليوم أسأل الأيام هل كان ذلك عن حاجة إلى الذوق، أم هي تنسيقات الحدائق والبيوت، أم هي صفحات الحياة. . .؟
وجدتني (أبكي لأني أرى ما يبكيني. وهذا المحزون اقرؤوه عني السلام. كل له حزن يعنيه، وما عرف الدنيا إلا حزين. .
اسمع التنهدات بعد الضحكات فاسمع ترجيع صدى لحزن مضى. . . ورنيناً لأنين سيأتي. . . وأشعر في ثنايا الضحكة نذير الدمعة. . . وأرى الابتسامة علامة الخوف من قرب الأسى. . .
إن دموع الأحزان هي أنقى دموع الإنسان. . .
والبكاء أول ميراث الأحياء الكرام من الأموات الكرام)
ووجدتني في نفس الحديقة أرى في الوقت ذاته الوجه الجميل في إطار من الزهر الجميل، وأسمع الشعراء يترنمون بأناشيد الربيع، وكان ربيعاً، وأرى الغانيات الحسان يمرن ويسرحن تحت الخمائل وبين الظلال. . .