الفقهاء في أبواب الركاز والمعادن وإحياء الموات، ومطابق لنصوص الآيات والأحاديث الواردة في ذلك، وصنع المصفحات والدبابات، والمناطيد والطيارات، والمدرعات والغواصات، والكهرباء وسائر ما ظهر في الوجود من المخترعات والمكتشفات النافعة هو مما أرشد إليه الاسلام، ودل عليه مثل قوله تعالى:(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه) فرده رد لنصوص القرآن وتعطيل لأحكامه. وهذا هو الفقه العام في الإسلام، وفقه الفروع والأحكام منبثق عنه أو هو جزء منه. فالفقه بإطلاقه سداد في العلم، ودقة في الفهم، وإصابة في الحكم. وهو الذي دعا به الرسول (ص) لابن عمه عبد الله بن عباس بقوله: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، فكان فقيه الأمة وترجمان القرآن
وهذه الطريق في فهم الدين والفقه فيه هي التي جرى عليها في هذا العصر إمامه السيد محمد رشيد رضا (تغمده المولى برضوانه) فقد أخذ منذ نحو نصف قرن يحل في مناره وتفسيره عقد المشكلات الدينية الدنيوية، ويبين لأمته وجه الحق فيها، وطريق الخلاص منها، مستهدياً بهدى السنة والتنزيل، وهما خير هاد ودليل، مسترشداً بسنن الوجود التي لا تبديل فيها ولا تحويل، وكانت فتاويه تبحث في أدق المسائل الإسلامية، وتحل أعقد المشاكل الاجتماعية حلاً يفي بحاجة العصر، ويتمشى مع قواعد النصوص الشاملة، والمصلحة العامة الراجحة. وقد تكلم عن بعض المسائل الفقهية التي عرض لها الأستاذ الطنطاوي في مقاله كسجدة التلاوة عند سماع القارئ في المذياع، وكالمصارف المالية ومعاملاتها، وأفاض القول في تحريم ما حرم الله من الربا، وتوعد عليه بأشد الوعيد، فبين وجه تحريمه، وعقد فصلاً مستقلاً في حكمته وانطباقه على مصلحة البشر، وموافقة لرحمة الله بعباده، بما لم تره لغيره من المفسرين. وقد ختم هذا الفصل بقوله:(من تدبر ما قاله الإمامان (أي الغزالي والشيخ محمد عبده) علم أن تحريم الربا هو عين الحكمة والرحمة، الموافق لمصلحة البشر، المنطبق على قواعد الفلسفة، وأن إباحته مفسدة من أكبر المفاسد للأخلاق وشئون الاجتماع، زادت في أطماع الناس وجعلتهم ماديين لا هم لهم إلا الاستكثار من المال، وكادت تحصر ثروة البشر في أفراد منهم، وتجعل بقية الناس عالة عليهم. فإذا كان المفتونون من المسلمين بهذه المدنية ينكرون من دينهم تحريم الربا بغير فهم ولا عقل، فسيجيء يوم يقر فيه المفتونون بأن ما جاء به الإسلام هو النظام الذي لا تتم سعادة البشر