في دنياهم فضلاً عن آخرتهم إلا به، يوم يفوز الاشتراكيون في الممالك الأوربية، ويهدمون أكثر دعائم هذه الأثرة المادية، ويرغمون أنوف المحتكرين للأموال، ويلزمونهم برعاية حقوق المساكين والعمال هـ (١١٣: ٣)
إن غرض السيد الإمام (كما صرح به في مواضع من تفسيره) أن البلاد التي أحلت قوانينها الربا قد عفت فيها رسوم الدين، وقل فيها التعاطف والتراحم، وحلت القسوة محل الرحمة، حتى أن الفقير فيها ليموت ولا يجد من يجود عليه بما يسد رمقه، فمنيت من جراء ذلك بمصائب أعظمها ما يسمونه المسألة الاجتماعية، وهي مسألة تألب الفعلة والعمال على أصحاب الأموال، واعتصابهم المرة بعد المرة لترك العمل، وتعطيل المعامل والمصانع لأن أصحابها لا يقدرون عملهم قدره، بل يعطونهم أقل مما يستحقون، وهم يتوقعون من عاقبة ذلك انقلاباً كبيراً في العالم ولا علاج لهذا الداء إلا رجوع الناس لما دعاهم إليه الدين. ولكن من الناس من يظن اليوم أن إباحة الربا ركن من أركان المدنية لا تقوم بدونه. (قال)، وهذا باطل في نفسه، إذ لو فرضنا أن تركت جميع الأمم أكل الربا فصار الواجدون فيها يقرضون العادمين قرضاً حسناً، ويتصدقون على البائسين والمعوزين ويكتفون بالكسب من موارده الطبيعية، كالزراعة والصناعة والتجارة والشركات ومنها المضاربة لما زادت مدنيتهم إلا ارتقاء ببنائها على أساس الفضيلة والرحمة والتعاون الذي يحبب الغني إلى الفقير، ولما وجد فيها الاشتراكيون الغالون، والفوضويون المغتالون
وقد قامت للعرب مدنية إسلامية لم يكن الربا من أركانها، فكانت خير مدنية في زمنها؛ فما شرعه الإسلام من منع الربا هو عبارة عن الجمع بين المدنية والفضيلة، وهو أفضل هداية للبشر في حياتهم الدنيا
الشركة الاقتصادية الكبرى
قامت في مصر أكبر شركة زراعية صناعية تجارية أسست بأموال المصريين، وأثبتت فوائد الشركات المالية والتعاون الاقتصادي، وأقامت هذه الشركة لها بيت مال كبير أنشأه المزارع والمصانع والمتاجر، وآوى إليه ألوف العمال، ونجاهم من شرور البطالة ومفاسدها، وزاحم الشركات الأجنبية في البر والبحر والجو، فأشعر مصر بعزة الاستقلال الاقتصادي الذي لا يتم الاستقلال السياسي بدونه، فهذا التعاون الاقتصادي الذي نهض