سواها). وقال الشبلي:(الفتوة أن لا تكون خصماً لأحد سوى نفسك والشيطان).
والفتى لا يخاصم بلسانه ولا ينوي الخصومة بقلبه - كما يفعل البعض الآن وما عليه الغالبية العظمى اليوم - ألسنتهم رطاب، وبطائنهم أكباد صوادي - ولا يخطرها بباله وإن خاصم أو حاكم، فيجب أن يكون خصامه أو تحاكمه في الله والى الله، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد كان يقول في دعاء الاستفتاح:(وبك خاصمت، واليك حاكمت).
- وأن يتغاضى عن هفوات غيره، ويتغافل عن زلاتهم. وإذا رأى من أحدهم هفوة، او أخذ عليه زلة توجب الأخذ بها، أظهر أنه لم يلحظ منه شيئاً حتى لا يعرضه للوحشة والخجل، ليفيه من تحمل مشقة العذر.
حكى أبو عثمان الدقاق رحمه الله قال: إن امرأة أتت حاتما فسألته عن مسألة، وفي أثناء وجودها خرج منها صوت، فظهر الخجل عليها وبان في وجهها، فلما رأى ذلك منها قال لها ارفعي صوتك، ليوهمها أنه أصم لم يسمع ما تقول، فسرت المرأة وسرى ذلك عنها وقالت إنه لم يسمع الصوت، فلقبوه من ذلك الوقت بحاتم الأصم.
وحكى غيره أن رجلا بني بامرأة، فلما دخل بها رأى بها الجدري فقال، اشتكيت عيني، وتصنعت العمى، وبعد عشرين سنة ماتت زوجه ولم تعلم أنه بصير، فقيل له لم فعلت ذلك؟ قال كرهت أن يحزنها رؤيتي لما بها، فقيل له: سبقت الفتيان.
- وأن ينسى إيذاء الناس له، ويجاهد نفسه في نيسان ما ناله من الضرر وينظر إلى من ناله بأذى نظر الصديق المتسامح واسع الصدر كريم النفس، إلى صديق له زل أو هفا، حتى لا يستوحش الناس وينفروا منه. قال عمر بن عثمان:(الفتوة حسن الخلق) وقال الجنيد: (الفتوة كف الأذى وبذل الندى).
ولا يبلغ درجة الفتيان ويدخل في زمرتهم من نسى إساءة الناس له وتغاضى عن هفواتهم، إلا إذا نسى كذلك إحسانه إلى من أحسن إليه وأسدى إليه معروفاً حتى يعتقد أنه لم يحسن إليه ولم يصدر منه ما يستوجب الشكر، لأن ما أحسن به هو عند الله. فالواجب أن يشكر هذا المحسن إليه لأنه جعله يشكر الله الذي وهبه هذه النعم وأفاض عليه من خيرة وبره. وهذا النوع من النسيان أعظم درجة وأرفع منزلة من السابق، وفيه قال بعضهم: