ونفقت تجارته، واقبل الناس عليه. فهم يجدون عنده ما لا يجدون في حانوت القرية الآخر، وسرعان ما أخذ الناس يتحدثون عن جودة بضائعه وطرافتها. ويطرون ما عنده من تمباك ودخان. وسور مكتوبة، وأوراد، وتعاويذ تخاط في الاحجبة فتقي الناس شر العين وكيد الحسود!. . ولم ينس الشيخ أن يستحضر ألوانا مختلفة من المسهلات، والرشام فلم يعد يتكبد الممعود أو موجوع الرأس أو الأمعاء عناء الذهاب إلى المدينة لالتماس هذه الأشياء.
كان صاحب الحانوت الآخر مستبداً بأهل القرية لا يؤجل لهم ثمن ما يشترون على رداءة بضائعه وشحه، فلم يقو على منافسة الشيخ ياقوت فأدركه الإفلاس. والحق أن الشيخ كان دمث الأخلاق من أرباب السياسة والكياسة. وكان يسخو في البيع ويمهل في الدفع، وهو فضلا عن ذلك من حفظة القرآن فالشراء منه بركة، والتمسح به وهو من أصحاب المراكز فيه نفع لا مضرة. وهو يعطي المشتري المواظب من حين إلى حين شيئا من بخور السيدة الذي أحضره من القاهرة.
وعند الدكان مقعدان طويلان تجدهما أبدا مشغولين بالجلوس من المشترين الذين يرغبون البقاء لاستماع الشيخ وهو يقرأ الجريدة ويقص عليهم الأخبار وما يحدث في بلاد الكفار.
وقد كان اليهودي ينزل القرية بين الحين والحين يحمل بضائعه على كتفه ويصيح (شيت يا بنات. مناديل. روايح. حراير أمشاط. مرايات يا بنات. . .). لكن هذا الصوت قد اختفى ونفض اليهودي حذاءه من تراب القرية، فقد كرههم الشيخ ياقوت في معاملته، واستحضر لزوجته تلك البضائع. فكانت تبيعها في المنزل بالسعر المعتدل المقسط، وانتشر خبرها في القرية فأصابت من الرزق أكثر مما يصيب الشيخ من حانوته، واخذ الشيخ يكثر من تسبيح الله وترديد اسمه والثناء عليه، وابتدأت الحمرة تنتشر في وجهه. .
ومضى الحول فاذا به يخرج على الناس بمشروع جديد، فقد كبر عليه أن تظل القرية بلا كتاب، فشمر عن ساعد الجد، واشترى الخشب وكان في صباه نجارا فلم يلبث أن سواه مقاعد يجلس عليها صبية (الكتاب) الذي افتتحه.
وكان (الكتاب) بجوار الدكان في الطابق الأول من الدار فأخذ يوزع نشاطه بين العملين ويراوح بينهما في المجهود. وكانت بضائع الحانوت تنفق سريعا، فان أولاد النجوع