المجاورة صاروا يعودون في المساء بعد الدرس بما يحتاج إليهم ذويهم من بضائع الشيخ. فاذا ما كان الصباح وابتدأ الدرس وأخذت عصا الشيخ ترقص في يده ذهبوا إلى الدكان يحاولون الإكثار من ابتياع الحلوى وما اليها ابتغاء مرضاته حتى تقصر عنهم عصاه.
وأثمرت جهود الشيخ الجديدة فصارت القرية تفاخر بعدد من الصبية حفظوا القرآن. وذاعت شهرة الكتاب فوفد إليه أبناء الكفور القريبة يتتلمذون على الشيخ ومضت الأيام فاذا بكتاب الشيخ ياقوت من كتاتيب الإعانة التي تتقاضى تسعة جنيهات في السنة!. .
فتح الله عليه أبواب الرزق فصار يتاجر، ويغامر، ويكسب، ويستأجر الأرض ويزرعها. وجعل يتغنى صباح مساء (وأما بنعمة ربك فحدث) غير أن هماً دفينا كان يقلق الشيخ ويقض مضجعه، فقد مضت خمس سنوات وزوجه لم تعقب له ولدا غير (حسان). وهو رجل يطمع في كثرة النسل ويريد أن يرى أنجاله يرتعون في هذا الرزق الواسع والخير العميم.
أما أن يمني بقلة الذرية فقد كان شيئا ثقيلا على نفسه. كان الناس يتهامسون رثاء له وإشفاقا. والأعداء يشمتون ويودون لو يخطف الموت حسانا فلا يبقى للرجل من زينة الحياة غير المال، والمال بلا بنين كالشجر بلا ثمر.
كلما مر بالشيخ ياقوت هذا الخاطر ارتاع وابتأس. وماذا يدعو إلى الارتياع أكثر من شماتة الأعداء نار الحساد التي لا تجد لها وقودا غير كارثة تلم به وبلاء يقع فيه!. .
كان يفكر أن يتزوج بأخرى، لكنه كان رجلا شهما، تأبى رجولته أن يتزوج على أم حسان، فيؤلم نفسها، ويجزي إخلاصها وصبرها شر الجزاء. كان يحبها حبا خالصا، ويجد فيها الزوجة الصالحة المطواع، والمرأة الجميلة الصبوحة.
كانت أم السعد تشعر بهذا الخطر الذي يهددها وبأيدي السوء التي تدأب على إفساد حياتها الزوجية ووضع النار في بيت هنائها، فكانت تصبر على وشايات أم الشيخ وأخواته اللواتي امتلكتهن رغبة محرقة في أن يتزوج الشيخ من بنت العمدة، فقد وصل رجلهم إلى الدرجة التي تؤهله إلى نيل هذا الشرف. . .
كانت أم السعد تداريهن، وتصبر على ما يصيبها منهن طمعا في أن تظل وحدها حليلة زوجها. أما هن فقد غلون في اضطهادها والإساءة اليها بعد أن عرفن موطن الضعف فيها،