ووقفن على تلك الغيرة المستترة خلف قلبها. وأضحت لهن أمَة ضارعة ذليلة تفزع إذ يلوح لها شبح (الضرة) وتضع إصبعيها في أذنيها حين تسمع كلمة الطلاق، فقد كانت تعرف إنها سائرة إلى أحد الطريقين.
صارت تنذر النذور وتستصرخ الأولياء، وتهب إلى قبور الصالحين تستمد منها البركة. يأتي عليها الليل وينام القوم فتصعد إلى السطح وتكشف رأسها وتسخر كل قوى روحها في التوسل إلى الله أن يرزقها ولداً آخر. وقد تسترسل في بكائها وهي تتذكر آلام النهار والتعيير، والكيد، فلا تمسح دمعها حتى تظهر نجمة الصبح فتعود لتنام عند قدمي زوجها.
فإذا كان شهر رمضان صامته من غير سحور وبذلت الإحسان من غير حساب.
وبلغ حسان العاشرة من عمره والأم لم تظفر بالأمنية. . . ونفد صبر الزوج فخطب ابنة العمدة لنفسه.
وابتدأ البيت يمتلأ بالضوضاء ويستعد لاستقبال الأفراح والليالي الملاح. فكانت أم السعد تنسل إلى غرفتها كما ينسل إلى وكره حيوان مضطهد مجروح. . . كانت تعيش من فكرها في مأتم، وكلما اقترب يوم العرس انقطع بين يديها خيط من خيوط الهناء، حتى صارت تفتقد مسرات حياتها فلا تجد بين يديها إلا خرقة مهلهلة.
وماذا بقي لها بعد أن صارت المرأة المنبوذة؟! كيف تطيق أن ترى المرأة التي تتوج بدلها بعد أن كان التاج لها، تتخطر مزهوة مختالة يزري جمالها الفتي الجديد بجمالها الذي فقد الجدة والفتنة!. .
لقد شادت هي كل شيء وتعبت في كل شيء، فاذا بامرأة غريبة تتسلم البضاعة وتأمر وتنهي! ليتها لم تفعل شيئا. ليتها لم تدبر ولم تقتصد! كانت تشقى في حاضرها لتسعد بمستقبلها فاذا بالمستقبل يضيع وبالأمل يتحطم!. .
وحسان العزيز! إن أمره ليدمي فؤادها. لقد اشترى له أبوه أثوابا جديدة بمناسبة قدوم العروس، وأمرها أن تخيطها له! إن ثياب الحداد أولى به فقد دالت دولته. ولن يدلل فيما بعد! سيصبح ابن المرأة القديمة. . . . وسيتحول قلب أبيه عنه إلى أولئك الأطفال الصغار الذين طال إليهم اشتياقه. كيف تستطيع احتمال هذا؟ إنها لترسل بصرها في المستقبل فترى ابنة العمدة جالسة في رحبة الدار تخرج ثديها فخورة مباهية لترضع طفلها. كأنها تتعمد