إغاضتها والحط من شأنها! وستنكس هي بصرها خجلا وسيندي جبينها خزيا! إن ثديها العاطل المحروم ليحن للإرضاع! بل انه ليهتز شوقا إلى طفل. وهي تخرجه في وحدتها وتتأمله بحسرة حرّى وعين أسيفة. وتعصره لعله يبض له بقطرة تكون نذيرا بالحمل!. . فلا تظفر بغير الخيبة، ولا يلوح على وجهها غير ظل ابتسامة كسيرة مهزومة. . .
مضى شهر على الزواج الجديد. . . وكانت أم السعد قد سئلت أن تخلي غرفتها للعروس، ووعدها زوجها أن يرد الغرفة اليها بعد أيام، لكنه حنث في وعده، وتركها تقيم مع أوعية اللبن والجبن في هذه الغرفة القائمة فوق السطح. . . وهي الآن جالسة تخطط في التراب وتحدق فيما تخط بعين ذاهلة. وقد مسح الحزن عن وجهها ضياءه وإشراقه. ولم يبق من محياها الجميل غير معارف امرأة محطمة، ناقمة، متجددة السخط والغضب.
وكيف لا يتجدد سخطها وغضبها!. . ها هي ضوضاء الدار تصعد إلى أذنيها فتنبئها أن القوم لاهون بينا هي وحدها تتعذب. والدخان يرتفع من أسفل فيضايقها ويؤذي رئتيها ويحمل إلى خاطرها صورة (الوليمة)، ووجه زوجها وهو يضحك في وجه العروس ويداعبها.
وإذا هي تعض أناملها، حانت منها التفاته فرأت أثواب حسان البيضاء التي غسلتها في الصباح تخفق تحت أشعة الشمس، فقامت اليها متثاقلة وجمعتها. وأخذت تخيط ما بها من ثقوب وفتوق.
وظلت تنتظر عودته من الكتاب لكنه لم يعد. ثم عضها الجوع فقامت إلى الطعام لكنها لم تصب منه غير قليل ثم عافته.
وصعد اليها حسان وفي حجره ألوان من الحلوى، وحدثها انه تناول الطعام مع العروس. . . وثارت نفس الأم، فلطمته ودفعته بعيدا، فتبعثرت حلواه وطفق يبكي. لكن حنانها عاودها فذهبت اليه، ومسحت دمعه وأجلسته في حجرها، وسألته ان يسمعها ما حفظ في يومه. فأنشأ الصبي يرتل، وأسارير الأم تنبسط كأن شعاعا من العزاء يتسلل إلى قلبها، ويبدد شيئا من ظلمته الحالكة.
وأخذه النوم فألقى رأسه الصغير إلى كتفها، وغلبها الحنان فتناولت كفه وأدنتها من شفتيها. لكنها عافت اليد الصغيرة عندما رأت عليها لون (الحناء) الذي أباحت جدة الصبي لنفسها