أن تخضب به يدي حفيدها. فجفل صدرها بالغيظ، وملأ الحقد قلبها وملأ الدمع عينيها. . .
وتبكي الأم بحرقة. ويستيقظ الصبي مرتاعا، ويملأ الدمع عينيه البريئتين وهو يسأل أمه أن تكف، فتحاول لكن أساها يغلبها، فتعتذر إليه بأن هناك ناراً تسري في احشائها، وتعتلج في صدرها. وتحدثه وهي تحدق في وجهه بجزع وقد وقفت على شفتيها ابتسامة مشلولة: إنها لن تعيش طويلا. لأن تلك النار لم تبق شيئاً. .
من هذا اليوم سقطت أم حسان مريضة وتضافرت عليها أوجاع الجسد والروح. فأخذت تتقهقر من ميدان الحياة على عجل.
أما الشيخ ياقوت فيأبى أن يدعو الطبيب ويزعم انه خبير بدهاء النساء، ويتهم زوجته بأنها تتمارض، ويهددها بأن عصاه كفيلة بمداواة الغيرة التي تأكل قلبها، وينذرها بأنه لن يسمح لها أن تجعل بيته جحيما، وان كلمة (الطلاق) مختبئة خلف شفتيه يلفظها إن سولت لها نفسها الأمارة بالسوء إعادة هذه اللعبة المفضوحة للتنصل من الخدمة!. .
وتنسحق روح أم حسان تحت عبء هذه الكلمات كما تنسحق قطعة الفخار تحت ضربات المطرقة. وكأنها تؤثر ألا تضايق قرينها فتغادر الحياة بعد أيام قلائل!. .
كانت هناك نفس واحدة حزينة لفراقها هي نفس حسان، لكن حزنه إنجاب سريعاً كغمام الربيع. . .
لم يطل عهد حسان بالحلوى والتدليل، وتقدمت به الأيام فإذا به يلطم ويزجر! وتنكر له الجميع. وقوي إحساسه باليتم. واكتأبت روحه الظمأى للحنان فذبل كما يذبل لحظ النرجس من كثرة العطش. وفقد النصير. ولم يعد يملك إلا أن يطوف بمقبرة القرية يرمق منزل أمه فيها ويود لو تناديه اليها ليقيم معها.
أما الشيخ ياقوت فقد اطمأن إلى الثروة التي اجتمعت له فأغلق الدكان وأهمل الكتاب، وركن إلى حياة مترفة، لاهية، موزعة بين أحضان الزوجة ودوار العمدة. . .
ومضت الأعوام والزوجة لا تنجب ولداً ولا بنتاً، وثروة الشيخ تتبدد في الإنفاق على القابلات، والزلفى إلى أصحاب الكرامات. وكبر على ابنة العمدة أن تبقى عاقرا، وشعرت أن (أم السعد) وهي في القبر قد غلبتها وهي في الحياة. وخالت أن روح المرأة الشامتة تطوف بها، وتسخر منها!. .