وقد استشهد أفراد هذه الأسرة الكريمة في سبيل الله، ولم يبق منهم إلا عمار الذي كان يعذب حتى لا يعي ما يقول
وممن عذب في سبيل العقيدة بلال بن رباح كان مملوكاً لأمية ابن خلف، فلما اعتنق الإسلام حنق عليه سيده وأمره بالرجوع إلى عبادة الأصنام، فلم ينصع لأمره لأنه ذاق حلاوة الإيمان، فأنزل به ألواناً من العذاب: كان يطرحه على الرمضاء، ويصهر على صدره دروع الحديد، ويضع عليه الأحجار الثقيلة حتى قُدّ ظهره! وهو يهتف دائماً: أحد، أحد، إلى أن أنقذه أبو بكر فاشتراه من سيده، وأعتقه لوجه الله. . .
وكثير غير هؤلاء ممن آمنوا بمحمد في مبدأ بعثته، كانوا يلاقون العذاب الهون والبلاء العظيم، حتى أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن ليس له أنصار يحمونه من هذا العدوان أن يفر بدينه إلى الحبشة، فهاجر إليها جم غفير. واستأذن أبو بكر في الهجرة إليها فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم له، فلما كان على مسيرة يومين، لقيه ابن الدغنة سيد قومه فسأله: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال: إن مثلك لا ينبغي أن يَخرج أو يُخرج من أرضه؛ ثم رجع به إلى قريش وأدخله في جواره، على شرط أن يعبد الله
فابتنى أبو بكر مسجداً بفناء منزله، وصار يصلي فيه ويتلو كتاب الله، فكان نساء قريش وشبانهم يجتمعون حول داره، يستمعون لتلاوته، ويؤخذون ببلاغة القرءان وروعته! ففزع القوم وشكوا أبا بكر إلى حليفه، فأغلظ الحليف لأبي بكر في القول وقال له: إما ألا تستعلن بعبادتك، وإما أن تعيد إليّ ذمتي. فقال أبو بكر: إني أرد لك جوارك وأرضي بجوار الله عز وجل
فكيف اجتمع هؤلاء الناس على محمد؟ أبالسيف وهو أعزل لا يستطيع أن يعصم نفسه؟ ومتى كان السيف وسيلة لتكوين العقائد في النفوس؟
ولماذا باعوه أرواحهم يبذلونها رخيصة في سبيل دعوته؟ أطمعاً في مال وهو فقير لا يكاد يملك من حطام الدنيا شيئاً؟ ومتى كان للمال هذا السلطان القاهر على العقول والأفهام؟
كلا؛ لا بهذا ولا بذاك، وإنما بهذا الدين الحنيف الذي استحوذ على العقول وأخذ بمجامع القلوب، وبهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي حين سمعه