ونحن محتاجون للوقوف عند التوطئة لنتعرف إلى المسرحية واتجاهها الأدبي الذي يقول المؤلف أنه انتهى إليه بعد جهد ودراسة. وهذه الدراسة متى تجنب المسرحية كل ما ترمي به أكثر أعمالنا الأدبية من شيطانية وارتجال. ثم أن المؤلف لم يدلف إلى ميدان المسرحية الروزية إلا بعد أن عالج الرمزية في القصة والمقالة والقصيدة، فهو لم يصل إليها طفرة بل بطريق طبيعي كالصوفي حين يترقى في مراتب الوجد.
ومن تفسيره الرمزية في أعماله وأعمال الآخرين نعرف أنه من أنصار الرمزية النفسية السيكولوجي الموضوعي. فهي (استنباط ما وراء الحس من المحسوس. . . . يشرك في كشفها الإحساس. . . والإدراك. . والتخيل. .) وبقدر ما تتهم به الرمزية من غموض إلى حد التباس تعريفها على النقاد - حتى لنجد لها عند كل ناقد تعريفاً - فإننا لا نجد تعريفاً أكثر وضوحاً من تعريف المؤلف الذي يجد له سنداً من علم النفس. ويستمر المؤلف في بسط نظريته في الرمزية على هذا الأساس النفسي الفردي فيروي لنا الغاية التي يستهدفها وأنها سعي (وراء العالم الحقيقي عالم المجدان المشرق. . . عالم أمثل. . . يوفق بين الواقع والموهوم).
ثم يصور لنا طريقة الصياغة الرمزية فيقول أنه (يعرض عن الطريقة المألوفة في الكتابة بغية أن يجعل منها ركناً يغلب فيه الارتجال على الصناعة. . وحتى يخلص إنشاءه من الخطابة. والتحليل. . والوصف الواقعي. . . وحتى يسابق الزمن الذي أصبح فيه الإيجاز والإيماء أحب للقارئ العربي من الإطناب الطويل) لذا تراه يجمع في ألفاظ معدودة طائفة من الآراء والتأثيرات.
هذه هي الخطوط الفنية التي ترسمها المؤلف ننتهي منها لنخلص المسرحية ونوضح فكرتها إذا سلمنا بأن المسرحيات الرمزية ذات دلالة ظاهرة لباطن خفي يمكن إيضاحه بتخليص المسرحية كما تجري في الظاهر.
و (مفرق الطريق) كما تصورها الشخصيات بالملابس التي ترتديها، والحي البلدي الذي تدور حوادثها بجوار منازله القديمة تروي لنا علاقة امرأة بشباب أبله تملأ به فراغاً تركه حبيب ذو نزوات حسية نفرتها منه. ويظل الأبله قانعاً بها في صمت، وتظل هي مستسلمة لصمته - وإن كانت دائمة الثورة على هذا الصمت مشغولة بالإحساس القديم، ويأتي حبيبها