الأول فيستعيد أن القصة ويدعوها لأن تذهب معه. وهنا ينبعث الإنسان الكامن في الأبله ويبكي لأول مرة في حياته. فلا يسع المرأة التي تخلصت من كل العواطف الساخنة إلا أن تدع الرجلين يأخذان طريقهما في الحياة العادية وتصعد هي في طريق التجرد من العاطفة البشرية.
هذه هي المسرحية كما ترى في الظاهر: قصة فيها من الواقع أحداث واقعية وأشخاص تنبض بالحياة وفيها من الرمز والإيحاء الشيء الكثير. ولكن الرمزية ليست بواقع الحياة الذي تصوره بل بدلالة هذا الواقع على النفس الإنسانية وتفسيره لمكوناتها المجردة. ولقد قدمنا أن النقاد يختلفون في تفسير الرمزين وأعمالهم ولا عجب. فالرمزية أكثر المذاهب الفنية ذاتية وحاول المؤلفون كساءها بالموضوعية.
ومع هذا فإن الرمزية - مفرق الطريق - تتضح عند عنوانها الذي يحدد طبيعة المسرح الذي تجدي فوقه أحداثها بأنه ملتقى العقل والشعور. ويتضح هذا التحديد في توطئة المسرحية التي كتبها المؤلف. وأخشى أن أقول أن الدكتور بشر فارس وقد مارس النقد خاف أن يأتي مخرج أو ناقد فلا يحسن فهم اتجاهه فقدم المسرحية بتوطئة طويلة وتبين لطبيعة المسرح ورسم للشخصيات ثم عاد مرة ثالثة فرسم المسرح والشخصيات كما تبدو في الواقع مبالغة منه في إيضاح المبهم من الأشياء. ولو رجعنا إلى هذا التبيين نجد أن المرأة تمثل النفس الإنسانية حين تضطرب فيتجاذبها عالم العقل الباطن - كما يمثله الأبله - والعقل الظاهر الذي يمثله حبيبها ذلك الإنسان العادي الذي لا يدرك المعاني المجردة.
هذه هي الشخصيات وما ترمز له من دلالات تجمع بينها الفكرة المسيطرة على الشخصية الرئيسية: وهي الصراع بين العقل الظاهر والباطن وضرورة التوفيق بينهما. ومن هذا الصراع الدفين أخذت المسرحية شكلها الدراماتيكي - وإن كانت المسألة ليست قصراً على الشخصيات والفكرة وحدها، فإن المواقف التي مرت بها لها دلالاتها لأن المؤلف يلونها بفكرته.
ونكتفي بهذا التفسير لرموزه المسرحية لننتقل إلى بنائها المسرحي. وهنا نجد المؤلف يبدؤها بمشهد من التمثيل الصامت يستمر مدة ليست قصيرة فيكسبها الشكل المسرحي الخالص. وهي التفاته فنية إلى طبيعة المسرح التي لا تقتصر على الكلام والحوار، ثم