وإذا ربطنا هذا التمثيل الصامت وصوت الناي الذي يسمع مراراً أدركنا أن المؤلف أراد أن يوفر لروايته كل العناصر الجمالية التي عرفها المسرح منذ نهض عن الإغريق حتى وجود البالية. وهو حين يستخدم هذه العناصر لا يقدمها كإضافات تملأ فراغاً بل كدلالات أصيلة تشارك في الأحداث. ففي المنظر الصامت الذي تبدأ به المسرحية نجد الأبله يمسك عوداً من القصب وبينما يكسره على ركبتيه يشد العود إليه بقوة كان هناك من يريد خطفه. فتسأله المرأة (أيريد أحد خطف قصبك؟) وهنا تكون دلالة التمثيل على الحالة النفسية التي تبدو عليها الشخصية.
وإذا تركنا الصمت الموسيقي اللذين أعانا المؤلف على توضيح فكرته نجد الحوار عنده لا يقتصر على تأدية وظيفته اللغوية فحسب بل تعداها إلى ما هو أهم حين يقف به عند مجرد العرض بل يجعله يشارك في الأحداث باعتبار أن الحدث المسرحي في الرواية الرمزية يدور داخل النفس ولا يتجسد خارجها وأن وسيلة الحديث النفسي الحركة الباطنية التي يعبر عنها الحوار المار. وميزة هذا الحوار أن ألفاظه فيها من الشعر طابع الإيجاز واللطف.
ورغم الجهد الذي تتطلبه هذه المسرحية من الممثل والمخرج بل ومن المشاهد - فأنا نطالب بتمثيلها على مسارحنا باللغة الفرنسية من الفرق الأجنبية التي تأتينا كل من عام من فرنسا. وباللغة العربية من الفرقة النموذجية التي ستقدم عيون الأدب المسرحي.