زوجها إذ تحسب في سرها أنها عقيم. وكثيراً ما أفضت بدخيلتها لصديقتها أمونة، وشكت إليها لهفتها على الولد وأنها تتمنى أن تشتريه بعينيها، وتفتديه بروحها، فكانت تجيبها: لا تيئسي يا صديقتي. إن الله هو الرزاق الكريم. ولما رأتها ملحفةً في طلبها غدت بها على الأولياء تستجير بهم وتعدهم بالنذور إذا رزقت ولداً. وقد استغاثت بالمشايخ الصالحين فقرءوا لها العزائم والتعاويذ، وحرقوا أمامها البخور، وحملوها الحُجُب والآيات فما أجدت عليها شيئاً لأن الله لم يشأ أن يجعلها ولوداً
كل هذا جرى دون أن يدري زوجها به، فلقد كان متزمتاً متديناً لا يسمح لها بمغادرة البيت إلا قليلاً أو مع ابنة خالته التي ألفها واطمأن إلى أخلاقها من طول مقامها عنده وغشيانها داره وصحبتها لزوجه. وقد حلف بأن تكون طالقاً إن ذهبت تطب للنسل. فما خالفت له أمراً لأنها كانت تطيعه وتحبه برغم تفاوت السن بينهما، فأحست الأمان على حياتها الزوجية منذ صدف بها عن المعالجة واستسلمت للقدر لعل الله يرزقها ولداً
كان طاهر تاجراً غنياً جمع ثروته بعد الحرب الكبرى، واستطاع بما له الضئيل يومئذ وبماله من معاذير أن ينجو من الجندية؛ فلما توفر على تجارته وربحت أرادته أمه على الزواج، فقد كاد ينهد للكهولة ولم تفرح بزواجه. فأطاع وفرحت، ثم ماتت أمه فبقي وحيداً مع زوجته الحسناء. ومن ذلك الحين توثقت عرى الصداقة بينها وبين ابنه خالته أمونة التي كانت مخطوبة لموظف كبير، ولكنها مترددة بين قبوله ورفضه
مضى على زواج طاهر خمس سنين، بدأ في آخرها يمل حياته الرتيبة مع هدى ويميل إلى تركها يوماً بعد يوم مع ابنة خالته أمونة، إذ دب في نفسه الخوف من الفناء قبل أن تظهر فيه عواطف الأبوة وطمع في خلود الذكر من بعد موته بالولد الذي يدل عليه وضنت به هدى، فصار يرى بيته صامتاً جامداً لا يُهز فيه سرير ولا يناغم طفل، ولا تردد في حجراته لفظة (بابا) فضاق عليه البيت بما رحب وكره الحياة من أجل ذلك، فأخذ يشنأ زوجته ويحتويها ويتبرم بحديثها ويتلكأ في طلباتها. وقد خيل إليه الوهم والهم أنها عاقر وأن حياته معها جديبة، مع أنه يعرف في نفسه وفي ضميره أنه هو العقيم، فتذكر شبابه الطائش وتعرضه باستهتاره لمرض شائن، تاب بعد شفائه منه توبة نصوحاً ولكنه أورثه داء عقاماً حرمه النسل