للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان يثور على زوجه هدى في سره لعقمها الموهوم، ثم يعود في نفسه إلى الهمود والجمود حين يرى هذه النفس الباغية هدفاً لتلك الثورة

وبينا هو مطرق ليلة تلقاء الموقد اللاهب والوقت شتاء، تعصف فيه الرياح العاتية التي صدته عن السمر في دار صديقه مرت أمامه قطته (فلة) التي يعطف عليها ويختصها بطيب الآكال، فلما حاذته تمطت ونفشت شعرها، فأخذ يعبث به ويربت بكفه على ظهرها، فلمعت إذ ذاك في خاطره صور وأفكار، ورأى القطة في نظره الحانق خيراً من زوجته العقيم، هذه شجرة بلا ثمر، وتلك ولود تملأ البيت كل عام بأولادها. وفيما كان يقلب الخواطر في ذهنه تلفت إلى بيته فرآه ساكتاً ساكناً إلا من صوت زوجته هدى وابنة خالته أُمُّونه وهما في فورة اللعب بالبرجيس وغمرة الحماسة للغلاب، ومن مواء القطة بين الفترة والفترة، فطغت عليه الهواجس وشعر بكرهٍ لامرأته، ونفرة منها، فأخذ يميل بوجهه عنها ويوجهه إلى أمونة فيقارن بينها وبين زوجته التي غاض منها معين الجمال في تلك الليلة في نظره فتتخالس عيناه نظرات الإعجاب بابنة خالته، ثم جال طرفه الرغيب في جسمها الريان ووجهها الأبيض الجاذب وشعرها الفاحم المتدلي على كتفيها اللتين انحدرت منهما يدان كأنهما ركبتا في دمية من المرمر، فانشرح صدره وتمدد على أريكة بإزاء المدفأة ثم لوى ذراعه تحت رأسه فأسند فوده عليه وأخذ يتأمل في ساقي أمونة الممدودتين إلى الأرض وقد امتلأتا صقالاً وانسجاماً وأحيطتا بظلال من النعومة والجمال. ولما أطال التحديق فيها وهي جالسة تجاه زوجه لاهية بلعبة البرجيس رأى نفسه وجهاً لوجه أمام المرأة التي يتمناها له زوجه ثانية، فارتد ببصره عنه بعد فترة من اللعب لكيلا تلمح نظراته الخاطفة الماكرة؛ أما قلبه فبقي يرنو ويشتهي فقال في ضميره: تُرى أي بأس على إن تزوجت أمونة، وقد رفضت خطيبها السكير المقامر فيكون لي زوجان وأكون كجاري أبي عادل الذي تزوج اثنتين وهو معتزم هذه الأيام أن يبني بالثالثة. وكثيراً ما حدثني من باب دكانه عن حياته الزوجية فقال: ما أحلى الزوجتين يا طاهر! هما ريحانتان للشميم، لكل ليلة ريحانة

فكر في هذا طاهر. ولعب ذلك الريحان على انفه في وهمه كأنه يد الشيطان، ورده في نفسه صوت أمونة، وهي تضحك وتصفق بيديها، وتضع حجراً من حجارة البرجيس على

<<  <  ج:
ص:  >  >>