فتنبه طاهر فور انتهاء (الدست) بين اللاعبتين وجمع أشتات فكره من دكانه، وهو يحاور جاره، ومن ملاحة أمونة، ومن الأولاد الذين كان يحلم في خياله أن يأتوه منها فقال:
- يا هُدُو! وكان يناديها بهذا اللفظ الموجز كلما أراد العبث والدعابة - ماذا ترين وأنا كهل غني ولا وارث لي منك؟ فهل عليك من حرج إذا تزوجت امرأة ولوداً وأنت تبقين سيدة البيت كلنا نأتمر بأمرك ونهتدي بهداك؟
فما سمعت هدى كلامه حتى فغرت فاها وانتفضت كأنها صعقت، فامتقع لونها وطغى عليها دمع غزير صور على خديها معاني كثيرة من الذلة والخيبة والبغتة والفشل. وكان بعض الدمع يساقط على خدها وبعضه تتلقاه بمنديل في كفها أو تمسحه بكمها دون وعي حتى نشجت أعصابها وكاد يصيبها الغشيان فارتمت بوجهها على صدر صديقتها أمونة التي وجمت وبهتت. وانتابها عي وجمود فلم تنطق بذات شفة وإنما غلب عليها التأثر والبكاء مشاركة لرفيقتها
لقد كانت أمونة ذات قلب سليم حيال ابن خالتها فلم تعلم أنها ستكون الضرة المرة، وما عرفت أنها ستنزل على صديقتها كالنقمة والبلوى، بل لم تشعر في يوم من الأيام أن فلكها يدور هذه الدورة فيبدل الصداقة عداوة والمرفقة الرفيقة إلى مفارقة قاهرة.
لقد حمل طاهر إلى ابنة خالته مهراً غالياً، وهدايا كثيرة ثمينة، وحمل خالته على قبوله صهراً فما صدت ولا ردت، وإنما وجدت في إقدامه على الزواج مرة ثانية عقلاً وحكمة وصوناً لثروته من الضياع، وعرفت ن ابنتها أمونة ستكون ولوداً مثلها فلقد أنجبت هي ثلاثة من البنين والبنات وهي جدة لأولاد أحدهم. فأبت بنتها هذا الزواج وحاولت التمرد والعصيان إذ استحمقت نفسها واحتقرت أن تكون ضرة لرفيقتها فماذا يقال عنها؟ أية سمعة ستكون لها؟ وأية مضغة ستكون في أفواه الناس؟ ولكنها برغم كل مقاومة ومعاندة أفلحت أمها في إكراهها على الزواج فقد سوست في عقلها كالشيطان، وزينت لها حياة الثراء والرخاء عند ابن خالتها. وأنذرتها بالبوار والكساد إن أصرت على رفضه وآثرت العناس. فتنازعها عاملان: نزوعها إلى الزواج كيف اتفق شأنه بعد إخفاقها في خطبتها للموظف،