للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القمة وقد نمت وتعالت فوق الناس وفوق الحيوانات، فإذا هي أرادت أن تتكلم الآن بعد بلوغها هذا العلو فلن يفهم أقوالها أحد. إنها انتظرت ولم تزل تتعلل بالصبر، ولعلها وقد بلغت مسارح السحاب تتوقع انقضاض أول صاعقة عليها

فهتف الفتى متحمساً: نطقت بالحق، يا زارا إنني اتجهت إلى الأعماق وأنا اطلب الاعتلاء، وما أنت إلا الصاعقة التي توقعتها. تفرَّس فيَّ، وانظر إلى ما آلت إليه حالتي منذ تجليت لنا، فما أنا إلا ضحية الحسد الذي استولى عليّ

وكانت الدموع تنهمر من مآقي الفتى وهو يتكلم، فتأبط زرارا ذراعه وسار به على الطريق. وبعد أن قطعا مسافة منها قال زارا: - لقد تفطر قلبي، إن في عينيك ما يفصح بأكثر من بيانك عما تقتحم من الأخطار. إنك لما تتحرر يا أخي، بل ما زلت تسعى إلى الحرية، وقد أصبحت في بحثك عنها مرهف الحس كالسائر في منامه

إنك تريد الصعود مطلقاً من كل قيد نحو الذرى، فقد اشتاقت روحك إلى مسارح النجوم، ولكن غرائزك السيئة نفسها تشتاق الحرية أيضاً

إن كلابك العقورة تطلب حريتها، فهي تنبح مرحة في سراديبها، على حين أن عقلك يطمح إلى تحطيم أبواب سجونك كلها. وما أراك بالطليق الحر فأنت لم تزل سجيناً يتوق إلى حريته، وأمثال هذا السجين تتصف أرواحهم بالحزم غير أنها تصبح وا أسفاه مراوغة شريرة

على من حرّر عقله أن يتطهّر مما تبقّى فيه من عادة كبت العواطف والتلطخ بالأقذار؛ لتصبح نظراته برّاقةً صافية. إنني لا أجهل الخطر المحدق بك، لذلك أستحلفك بحبي لك وأملي فيك ألا تطرّح عنك ما فيك من حب ومن أمل

إنك لم تزل تشعر بالكرامة ولم يزل الناس يرونك كريماً بالرغم من كرههم لك وتوجيههم نظرات السوء إليك، فاعلم أن الناس لا يبالون بالكرماء يمرون بهم على الطريق، غير أن أهل الصلاح يهتّمون بهم، فإذا ما صادفوا في سبيلهم من يتشح الكرامة دعوه رجلاً صالحا ليتمكنوا من القبض عليه لاستعباده

إن الرجل الكريم يريد أن يبدع شياء جديدا وفضيلة جديدة، على حين أن الرجل الصالح لا يحن إلاّ إلى الأشياء القديمة، وجل رغبته تتجه إلى الإبقاء عليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>