وبرغم أن مارتا لم تكن لتأبه بأن تملك الحقول أو الطاحونة فإن (بوريس) قد أصر على دعواه تلك ولج فيها فلم تستطيع مارتا بالطبع لرغبته رفضاً. . .)
ثم سعلت العجوز وبصقت على الأرض بذوراً كانت تمضغها واسترسلت في حديثها وقد سرها أن تجد من لم يسمع بعد بما ترويه ويسعدها أن ترويه.
ثم قال بوريس: إنه ليستحي أن يفد على أقربائه معدما حقير الهيئة رث الثياب، فكان أن باعت مارتان حقلين مما تملك وخمس بقرات وسواراً ذهبياً وحليا أخرى مما كانت لأمها وقدمت ثمن ذلك كله لبوريس الذي راح بعد ذلك ينفق منه على أقرانه في إلحان وهو يحدثهم ساخراً هازئاً بحديث مارتا الدميمة الخلق الدنيئة الُخلق التي صدقته في كل ما ادعاه. . . ثم لبث بعد جني البطاطس حيناً على نهجه ذاك حتى أقبل الشتاء فعاش كالسادة على ما تدره الأرض. ولما أقبل الربيع ذهب. . . ولم يعد
ومنذ ذلك الحين قل أن تتحدث مارتا إلى أحد. . . فلم يعد لها في دنياها من شيء غير العمل والأمل، تعمل في حقلها وترعى ما لديها وتنتظر بوريس أن يعود. . . وترتقب ذلك اليوم الذي فيه سيعود
ولقد يكون محتملا أن تحس مارتا بغتة برغبة في أن تتحدث إلى أحد، وقد يكون محتملا أيضاً أنها قد أدركت أن من السهل أن تروى قصتها لغريب من أهل قريتها فيصدق كل ما ترويه ويأنس به وبها، وقد يكون غير ذلك، فلست أدري ما الذي أوحي إلى مارتا أن تستوقفني ذات يوم وقد مررت بحقلها على فرسي فطلبت إلي أن أترجل وأدخل مثواها لشرب قدحاً من اللبن؛ ثم راحت بعد ذلك تحدق في بعينيها الزرقاوين، وقد لاح عليها أن لديها ما تريد أن تقوله وما لا تريد أو ما لا تقوى على أن تقوله، فلقد لاح عليها تردد بينّ ثم تنهدت وهي تقول:
- ربما بلغك عني ما يلغط به القوم هنا. . . إن ذلك كله هراء محض، وقمين بك ألا تصدقيه. كلا. . . إنه لم يهجرني وسيعود. . . أجل سيعود.
ثم نهضت متثاقلة كأنما تحس على كاهلها عبء سنيها وانحنت على صندوق مزركش وأخرجت منه ورقة مطوية. كانت تلك الورقة رسالة تحمل تاريخا قديماً واسم مدينة (بروكلين) ثم قالت وهي ممسكة بها: لقد كتب إلي هذه الرسالة. كتبها بلغة الحب الصادق.