قائل:(إني على أثر قيامي بتعليق قطعة من الملابس على حبل الغسيل الذي مددته لنا في فنائك المعجب. . قد. أف. . فأنا الآن أوشك أن أقل من الغضب، وأتمزع من الحنق عليك وأريد أن أندمك على تصميماتك المعمارية المؤذية، وأطالبك بالعطل والأضرار -)
ولم يستطع الرجل الدهش أن يهتدي إلى الداعي الذي يصل بين غسيل السيدة الشاكية وبين ثورتها الحاضرة عليه، ولكنها تابعت كلامها قائلة:(أحسست في هذا الصباح تعبا بعد الحفلة التي أقمتها في بيتي عشية أمس، فرأيت أن أخرج إلى فنائك العجيب وأقوم بغسل قطع من الثياب، وخرجت في ردائي الفضفاض الحريري، وخفي الرقيقين المصنوعين من فاخر الديباج، وإني لأحس لآن الرطوبة تقرس رجلي، وأتأفف من أوضارها التي أصابت ذيل ردائي الثمين الجديد، وكل هذه المصائب جرها على هذا الفناء الوبيل الذي أقمته لساكني عمائرك. . وعليك أن تسارع اليوم إلى اتخاذ ما يلزم لإصلاح الشأن وإلا -.)
ثم صفعت بعنف سماعة التلفون. وتنهد قريبي بعد أن فرغ من سرد قصته وقال:(لقد أصبح الناس في هذا الزمن زهقين رهقين، سريعين إلى الحد وإيذاء الشعور بالمسافة والوعيد، ولم يخطر لهم ببال أن يقدروا ما يبذله لهم الآخرون من العناية والرعاية). قلت:(ومع ذلك فلا تزال دنيانا العتيقة، تحتفظ ببقية صالحة من ذوي العواطف الرقيقة ولأخلاق الراقية ولذوق السليم والصدر الرحيب والذهن المرهف. فقد تلقيت في هذا الصباح خطابا من صديقة عزيزة، تقيم في بعض بلاد الأدغال الذاهبة في أحضان العزلة والانفراد. وإني لأجد في خطابها مصاديق جلية، تدل على أن الفؤاد الشهم الحي اليقظ، لايزال ينبض في جوانح بني الإنسان. فصاحبة هذا الخطب سيدة شابة حسناء، نزحت مع زوجها وصغيرها إلى تلك الربوع البدائية البكر، فاستأمنت إلى سكانها العتاة المتوعرين المحربين وخبرت أهواءهم، وسبرت احوالهم وعاشت معهم، وتعاونت مع زوجها الطبيب (البيكترليوجي) على إنشاء مستشفى صغير لهم وزارهما منذ شهور رحالة عالمي، وقال لصديقتي:(إنك في حاجة إلى بقرة حلوب هنا). وبعد أن عاد إلى موطنه بعث إليهما حوالة مالية قيمة لشراء البقر الحلوب، ولاقتناء ثور أصيل. وختمت الصديقة خطابها بقول أن هذا الرحالة العظيم ممن يسرون إلى صدق العهد في ضياء الرشد. فقد تعهد كل حاجة من حاجتنا ببصيرة نافذة وتفكر دقيق وبسط علينا جناح حدبة)