هذا وقد أتيح لي التشرف بلقاء ذلك الرحال الخير في أوائل شتاء عامنا الحاضر، وإذا كنت أتحدث إليه، تلفت من فمه حكمة عالمية، هذا نصها:
(ليكن لنا إيمان وثيق بالله، ولنذكر أننا أفاد أسرة كبيرة واحدة، فلننظر دائماً إلى السماء) إن هذا الرجل يرفع بصره إلى العلاء، ويجتلي صفحة السماء على الولاء، وينظر بمجامع عينة إلى نقطة الدائرة حيث ينتهي كل موجود، وهو لذلك بمرأى دائم من الله جل جلاله، وإنه ليلقاه هناك ويعاينه وهو لذلك بمرأى دائم من الله جل جلاله، وإنه ليلقاه هناك ويعاينه وهو تعالى بالمكان الذي لا تراه الطوارف. يراه لأنه يرفع إليه بصره ويصوبه بعيدا عن ذاته فلا يراها. ولا عجب أن إنساناً ما لن يستطيع أن يرمق ببصره اتجاهين مضادين في وقت واحد. . أمفهومه فكرتي؟ أقصد أن أقول إننا بمقدار تنحينا عن ذواتنا نستطيع أن نجاور الله عز وجل ونقوي على الاتجاه نحوه والتوجه إليه بالبصر والبصيرة ونكون بمنتزح عن الأثرة وعبادة اللذات، ونتسامى إلى ذروة الكمال الأخلاقي الممكن، ونصل إلى الله وليس وراء الله مرسى ولا مرقى. ومعلوم أن النظرة المرتقية إلى الفوق الأعلى وهي التي تجعل الناس ذوي نفوس حساسة، وبصيرة نافذة، ينظر إلى حاجات الغير من وراء ستر رقيق، وتستنيطون خلجات القلوب، كما يستخرج الكشاف الدؤوب ودائع الغيوب، تسافر صلاتهم وهم دانون لم يبرحوا. ويفاجئون بالنوال الواسع والغوث السابغ، ويعفون بالنجدة على منية المتمني وهنا أسأل لماذا لا نرتفع بأفكارنا إلى الله، ولم لا نروض ذواتنا على ذلك منذ الساعة؟ إننا إن فعلنا ندرع بحياتنا اغتباطنا؟ ونستأنف لمزاولتها نشاطا عجيبا مبدعا، ونجعل وجودها ألطف من نسيم الشمال على أديم الظلال.