عليه الورود والرياحين كما تنثر دنيا النجوم من عالمها العلوي ذراتها اللامعة في أجنحة الليل السود
وسكن الكون. . . واستلقى الليل على صدر الدنيا. ونشر عليها أذياله وأردانه. . . كأنما كان يريد أن يكبت فيها الحركة، ويقتل فيها النشاط، ويقطع ما بينها وبين السماء. . . كان كالساعات اليائسة في حياة المحبين. . . مزهقة، مرهقة، ثقيلة الظل شديدة الوطأة، كأنما تحاول أن ترين فتحول بيننا وبين الرحمة. . . ولكن الرحمة القريبة لا تدع السبيل إلى اليأس، والحب القوي لا تقل منه المصاعب، والسماء الكريمة لا تقطع ما بينها وبين الناس. . . إنها تشق ثوب الليل الصفيق لتنبت النجوم النيرة على ظهره وفي أطرافه ومن بين يديه. . . كما تنبت الخزامى في الأرض القفر عطرة الطيب، شذية الروح. . . وأنها لتمزقه في كل جوانبه، وترقمه في كل ثناياه كما ترقم قطرات الماء سطح البحيرة الهادئ بدوائرها المترجرجات
واستغرق الكون في سكونه. وأحس الليل ما يقلى من عنت. لقد فرض سلطانه فتمزق. . . ومد رواقه فتخرق. . . ونشر جناحه البهيم فهاض النور جناحه البهيم. . . وغص بالحادثات. . . والنجوم من حواليه ترقص رقصة الظفر، وتنشد نشيد الحياة، وتهزأ هزأ المتحدي. . . وترسم شعاعاتها دعوة كريمة للفجر المستكن.
وارتمى يفكر. . . واستعرض تاريخه الطويل، وبكى مجده المندثر وساعاته الخاليات، وذكر كيف اكتسح الأفق المديد، وغطى الشمس المشرقة. . . ثم جاءت هذه النجوم الصغيرة تعبث به وتهزأ منه، فلم يملك أن بكى. . . وانثالت دمعاته على كل نبتة وفوق كل غصن. وكان بكاؤه هذا الندى الطري الذي اندفع بتلقي بسمة الصباح
. . . وهكذا تتراقص الأماني من حوالينا. . . أيتها الإنسانة الكريمة. . . وتنبثق شعاعاتها الناعمة تخط الفجر الذي نرنو إليه؛ وتنسق ألوانها الزاهية السبع لتنسج بردة الشمس، ولكنها تمضي في هدوء واتزان؛ فلن تمر بنا في كل مرحلة، ولن تقف بنا عند كل لون.