فإنما يعاب وصف الناقة على المحاكاة كما تعاب المحاكاة في وصف الطيارة من احدث طراز، وكما تعاب المحاكاة في وصف القنبلة الذرية، وكل مخترع يأتي بعد القنبلة الذرية، ولو أتى بعدها بعدة قرون.
والجبال أقدم من الناقة، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟ والبحار أقدم من الجبال، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟ والكواكب والشموس أقدم من الجبال ومن البحار ومن الأرض نفسها، فهل يحرم وصفها على الشعراء والكتاب؟
والعجب أن تخفى هذه الحقيقة البينة على أحد ممن يفقهون الشعر أو لا يفقهونه! فكيف خفيت على أولئك النقاد؟
ما نخالها خفيت عليهم ألا انهم حسبوا أن الناقة (أداة مواصلات)، ووصفها الشعراء الأقدمون لأنها أداة مواصلات. فلا يحسن بالشعراء المحدثين أن يتركوا أدوات مواصلاتهم ليصفوا النوق في الصحراء.
والناقة ليست بأداة مواصلات وكفى، إلا إذا كان راكبها جمّالا وكفى.
ولكنها حيوان وراكبها إنسان، وشأن الحيوان والإنسان باق في الشعر وفي الإحساس والتعبير عن الإحساس إلى آخر الزمان.
وهي بهذه المثابة أحدث من طيارة اليوم وطيارة القرن الثلاثين وما بعد القرن الثلاثين.
وكذلك الصحراء وأهل الصحراء، وكذلك كل بقعة من بقاع الأرض وكل مطلع من مطالع السماء.
فالشاعر الذي تروعه الصحراء ولا ينظم فيها أعرق في المحاكاة والتقليد من الشعراء المتقدمين، والأديب الذي يحسب أن الطيارة قد نسخت الناقة والجواد وسائر المطايا الحية لا يحس الحياة ولا الأحياء.
وهذه تعقيبات تقال، ولا بد أن تقال وتعاد على تلك الآراء الخاطفة التي تروج بين خطاف الآراء والمذاهب في هذه الآونة، ولكنها ليست بالتعقيبات الخاطفة كما يرى القراء.