وهذا هو الرأي السديد في موضوع الأدب والصحافة كما نراه، ولو عاد إلينا الجاحظ والأصفهاني وابن سينا وأدباء العربية الأقدمون أجمعين لرأوه مثلنا بلا خلاف في الجملة أو التفصيل، لأننا لا نحسبهم قضوا في تدوين مصنفاتهم المرسلة وقتا أطول من الوقت الذي يقضيه الصحفي اليوم في كتابة مقال، ولكنهم قضوا الوقت الطويل في الجمع والتحصيل، فهان عليهم بعد ذلك أمر التدوين والتسجيل.
وعلى ذكر الكتابة المرسلة نذكر الآراء (الخاطفة) التي تقال هذه الأيام عن السجع والترسل في بعض الموضوعات.
فقد تلقف بعضهم كلام الناقدين في نقد السجع فحسب أن السجع معيب على كل حال، وانه أسلوب قديم لا يطرقه الكتاب المحدثون ولا يوافق كتابة العصر الحديث!
وكنا قد تناولنا كاتبا منهم بالتسخيف والتفنيد في عبارات مسجوعة، فظن انه (أديب حديث) لأنه لا يسجع وأننا أناس جامدون لأننا نستخدم السجع في بعض العبارات!
ونحن نتعمد السجع أحيانا للسخرية أو للتوكيد والتقرير، ونفهم لماذا يعيبه الناقدون فنفهم انه أسلوب يطرق في هذا العصر كما يطرق في كل زمان، لان السجع لا يعاب لذاته، ولكنه يعاب لان المتقيدين به يهملون المعنى في سبيل القافية أو الفاصلة، فيعاب عليهم هذا الإهمال، ولو كان مجرد العناية بالقافية عيبا لعيب الشعر كله في اللغة العربية على التخصيص، لأنه يجمع القافية والوزن معا وينفرد الكلام المنثور بالقوافي دون الأوزان.
أما إذا اتفق السجع والمعنى فلماذا يعاب؟ بل لماذا لا يستحسن ويطلب في الكلام المنثور؟ انه زيادة فيه وليس بنقص، ومزية فيه وليس بعيب، ومطلب يراد وليس بمأخذ يجتنب، ولنا أن نتحدى من ينكره في بعض عباراتنا أن يمحوه ويرسل الكلام في موضعه، فإن لم يكن الترسل في هذه الحالة هو المخل بالمعنى فهو المحق في نقده ونحن المبطلون!
ومن هذه الآراء (الخاطفة) نقد الناقدين (الخاطفين) لوصف الناقة أو وصف الصحراء في عصرنا الحديث.
عز عليهم أن يفهموا لماذا عيب هذا على الشعراء المتقدمين فحسبوا انه منقود على الإطلاق، وإن آية التحريم قد نزلت على وصف النوق والصحراوات إلى أبد الأبيد