ولكنه إذا كان يودع الصحيفة ثمرة التفكير الصحيح والتجربة الطويلة والدرس الدقيق والمراجعة المتوالية، فما هو الفارق بين إيداع هذه الثمرة في صفحات مجلة أو صفحات كتاب؟ وما هو وجه الخطأ في تعويد القارئ الصحفي أن يطالع الموضوعات المدروسة إلى جانب الموضوعات العابرة وأحاديث الفضول والسمر الرخيص؟
لا فارق في هذه الحالة بين أدب الكتب أدب الصحافة، ولا خطأ في اقتران الجد بالهزل لأنه خير من استئثار الهزل وحده بعقول القراء (الصحفيين).
ومن الواجب هنا أن نفرق بين تفكير وتفكير، وبين إسراع وإسراع، وبين ثمرة وثمرة.
فإذا كان الكاتب يفهم في أسبوع ما ليس يفهمه الكاتب الآخر في سنة أو بضع سنوات فليس هذا البطيء بالمزية المحمودة ولا ذلك الإسراع بالذنب المعيب.
وليست السلحفاة افضل من العصفور لأنها سلحفاة ولا العصفور أعجز من السلحفاة لأنه عصفور.
وإنما المعول على (الثمرة) لا على الزمن الذي تصل فيه هذه الثمرة إلى آكليها. فإذا وصلت إليهم في القطار السريع فليس حتما لزاما عليهم أن يردوها إلى البستان ليحملها إليهم بائع يمشي على قدميه!
كذلك لا يعاب الأديب لأنه يكتب في الموضوعات الهينة أو موضوعات الصحافة على اختلاف مواعيدها، فأما المعول على ما يقول في موضوعاتها لا عناوين تلك الموضوعات، وربما كتب بعضهم في الحروب العالمية فضاعت في قراءته اللحظات فضلا عن الساعات، وكتب بعضهم في لعب الأطفال فكانت كتابته أحق بالقراءة والحفظ من كتابة ذلك في حروب الأمم وقيام الدولات أو سقوط الدولات.
ولم نر من الأدباء المعاصرين من طرق هذا البحث فأحسن فيه كما احسن الأستاذ محمد روحي فيصل في مقاله بمجلة (الفكر) السورية حين قال: (. . . أرى مع ذلك أن الصحافي إذا استأنى في تحقيق كلمته، وجرى فيما يكتب على مهل وعناية، وحلل البواعث وتصور النتائج واحب وكره وخاصم في المثل الأعلى كان أديبا بأدق ما في الأدب من الخصائص، كما إن الأديب إذا أسرع في تركيز صوره وعرض تصويره سار إلى الصحافة وهو لا يدري).