للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد نصف ساعة مررنا بعيون موسى، وهي على ٢٤ كيلاً من معبر القناة. ولم نعرج على العيون إلا في رجوعنا، وكنت رأيتها مرة من قبل. وهي ينابيع متفرقة متقاربة، يرى المتأمل فيها فوران الماء من قاعها إلى سطحها، وكل ينبوع بركة يفيض ماؤها في الرمل فلا يجري، وحولها نخيل وأشجار من الطرفاء؛ وهي اثنتا عشرة عيناً، وقد ذكرت في القرآن الكريم: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، قد علم كل أناس مشربهم. كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

وذكرت في التوراة باسم إيليم. ففي سفر الخروج (الإصحاح ١٦): (ثم جاءوا إلى إيليم، وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة، فنزلوا هناك عند الماء)

وقد نقلت الحكومة إليها سمكا لمنع حمى الملاريا

مضت السيارات في أرض مقفرة قليلة النبات، ثم تغير مرأى البيداء، ولاحت أشجار كثيرة من الطرفاء، جاوزناها إلى أرض غير مشجرة يسم وجهها نبات متفرق من العيثران والرتم والسلة وأعشاب مختلفة. ثم دخلنا وادي الطيبة بين جبال عالية مختلفة الألوان والأشكال؛ فتكاثرت الأشجار البرية متفرقة، وبدت على وجه الأرض إمارات الحياة حتى انعطف الوادي إلى اليمين تلقاء البحر، فإذا غيضة يترقرق الماء فيها، ويلتف فيها الطرفاء والنخيل؛ وهو منظر يوحي إلى المسافر الروح والسرور بعد المناظر القاحلة التي طال سيره فيها. وبعد ثلاثة كيلات من هذه الغيضة بلغنا شاطئ الخليج - خليج السويس - بعد أن قطعنا من القناة مائة وعشرين كيلاً

هناك تبعد الجبال عن البحر قليلاً فتترك بينها وبينه أرضاً رملية مستوية، وعلى الشاطئ شركة إنكليزية تستخرج المنغنيز وهو حجر مسود حديدي يستعمل في صناعة الصلب أو الفولاذ. وهناك مبان للشركة ومساكن للعمال وهم زهاء ألف من المصريين، وسكة حديد لنقل المنغنيز إلى الميناء، وميناء لإرساء السفن

سألنا عن منزل الحكومة (استراحة) فسار معنا خادم موكل به، فرأينا بناء جميلاً طبقة واحدة فيها خمس غرف ومرافقها وأمامها طُنُف واسع. وهذا المنزل بني حينما عزم الملك فؤاد رحمه الله على زيارة سيناء. فهو من آثار عنايته بالصحارى المصرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>