نزلنا هناك بعد الغروب فأمضينا ليلة سعيدة في هواء منعش معتدل يحيط بنا مشاهد رائعة من الجبال والبحر أضفت عليها القمراء نورها وبهجتها. ولا أنسى مطلع الشمس هناك بين قنن الجبال القريبة ومغربها على ساحل الخليج الغربي عند جبال الزعفرانة تلوح على بعد كأنها قطع السحاب أو الضباب
إن في هذه الأمكنة وما يشابهها لَمَراداً للمصريين يستجمون من عناء العمل، ويمتعون الروح والجسم بين الهواء والماء، وحرية الصحراء والمرائي الجميلة، ويعرفون مجاهل وطنهم وما فيها من معادن ونبات
وأصبحنا يوم الاثنين مزمعين التجوال في البرية ورؤية معادن المنغنيز وآثاراً مصرية قديمة في مكان يسمى سراية الخادم فاستمعنا من الدكتور حزين كلمة عن سيناء وجبالها ومعادنها. ثم سرنا في وادي الطيبة وملنا ذات اليمين حتى رأينا معادن المنغنيز وهي حفر ساذجة تقطع منها الأحجار لا يكلف قطعها عناء ولا تغلغلاً في بطن الأرض. ثم سرنا نبحث عن الآثار ولقينا في طريقنا بدوياً معه غنمة وجمال تحمل رحله ونساء وصبية، فكلمناه وأخذنا صورته. وسألته عن شجر صغير يكثر في البادية لا جذع له تنبت أغصانه من جذره مستقيمة دقيقة، له ورق مستطيل دقيق. فقال: هذا الرتَم. فذكرت قصة المتنبي حينما خرج من مصر وسلك سيناء وخانه عبيده فضرب واحداً منهم بالسيف فخر على رتمة. وأنشدت قول الراجز:
نظرت والعينُ مبينة الهّم ... إلى سنا نار وقودها الرتَم
شبت بأعلى عاندين من إضم
واسم الرجل مُطير وهو من قبيلة القرارشة
واستأنفنا المسير فبلغنا مكاناً به نخلات وأشجار وزرع قليل، وإذا بئر تسمى بئر النصب ماؤها قريب عذب
تركنا السيارة وسرنا نبحث عن الآثار واستدللنا رجلاً من غير البدو ادعى معرفة المكان فطال سيرنا وبحثنا على غير هدى، ورجعنا وقد استفدنا من المشي، ورأينا من الأودية والجبال والأشجار والعشب ما عزانا عن الآثار المفقودة. ولم نقل: قتل أرضاً عالمها، وقتلت أرض جاهلها.