للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكثرة أتباعه، وأن له أربعمائة مملوك يحملون السلاح، فأمره بالحضور من واسط فحضر وقبض على ابن الفرات، وقد أقام حامد في دار الخلافة ثلاثة أيام، فكان يتحدث مع الناس ويضاحكهم ويقوم لهم، فبان للخدم ولأبي القاسم بن الحواري وحاشية الدار قلة معرفته بالوزارة، وقال له حاجبه: يا مولانا، الوزير يحتاج إلى لبسة وجلسة وعبسة. فقال له: تعني أن نلبس ونقعد فلا تقوم لأحد، ولا نضحك في وجه أحد، ولا نحدث أحداً؟ قال: نعم. فقال له: إن الله أعطاني وجهاً طلقاً وخلقاً حسناً، وما كنت بالذي أعبس وجهي وأقبح خلقي لأجل الوزارة. فعابوه عند المقتدر، ونسبوه إلى الجهل بأمور الوزارة، فأمر المقتدر بإطلاق علي بن عيسى من محبسه، وكان وزيراً للمقتدر قبل ابن الفرات، وجعله يتولى الدواوين كتائب عن حامد، فكان يراجعه في أمور الدولة، ويصدر عن رأيه فيها، ثم استبد بالأمر دونه ولم يبق له من الوزارة إلا اسمها، حتى قيل فيهما:

هذا وزير بلا سَوادٍ ... وذا سواد بلا وزير

وكان هذا سبباً في اضطراب الأمور ببغداد، فضعفت هيبة السلطنة، وطمع اللصوص والعيارون، وكثرت الفتي، وكبست دور التجارة، وأخذت بنات الناس في الطريق المنقطعة، وكثر المفسدون في الأرض

وقد نقل إلى حامد - وهذا شأنه - عن الحلاج ما يفعله في بغداد، وأنه أحيا جماعة من الناس بعد موتهم، وأن الجن يخدمونه ويحضرون عنده ما يشتهي، وأن الناس قد فتنوا به وقدموه على جماعة من حواشي الخليفة، وأن نصرا الحاجب وغيره من الحاشية قد مال إليه، فاهتم حامد بأمره، وطلب من المقتدر أن يسلم إليه الحلاج وأصحابه، فدفع عنه نصر الحاجب عند المقتدر، ولكن الوزير ألح على المقتدر حتى سلمه إليه

ومن هنا تبدأ قضية الحلاج التي اختلف الناس في أمرها اختلافاً كبيراً، وسندلي برأينا فيها بعد أن نفصل أمرها من أولها إلى آخرها، وقد أخذ حامد الوزير في التحقيق مع الحلاج قبل أن يقدمه إلى القضاء، ليعين التهمة التي ينسبها إليه، ويطلب من القضاء أن يحاكمه على أساسها، فأحضر شخصاً يعرف بالشمري وغيره ممن قيل إنهم يعتقدون في الحلاج الألوهية، وقد قررهم فاعترفوا بأنه قد صح عندهم أنه إله، وأنه يحيى الموتى. ما في الجبة إلا الله. ولكن الحلاج أنكر ما نسبوه إليه، وقال: أعوذ بالله إن أدعي الربوبية أو النبوة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>