فلم يقبل منه حامد هذا الإنكار، وأحضر القاضي أبا عمر محمد بن يوسف والقاضي أبا جعفر بن البهلول وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود، فاستفتاهم فيما أقر به الشمري وغيره من نسبة الألوهية إلى الحلاج، فقالوا: لا يفتى في أمره بشيء إلا أن يصح عندنا ما يوجب قتله، ولا يجوز قبول قول من يدعي عليه ما ادعاه إلا ببينة أو إقرار
فاجتهد حامد في أن يأخذ إقراراً من الحجاج بما نسبه إليه الشمري، وكان يخرجه كل يوم إلى مجلسه ويستنطقه فلا يظهر منه ما يخالف الدين، وقد طال الأمر على ذلك وحامد مجد في أمره، وكان يحاول أن يجد ما يستحل به دمه، وجرى له في ذلك قصص يطول شرحها. ثم عثر أخيراً على كتاب للحلاج وجد فيه بغيته، لأن الحلاج ذكر فيه أن الإنسان إذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد من داره بيتاً لا يلحقه شيء من النجاسات ولا يدخله أحد، فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله، وفعل ما يفعله الحاج بمكة، ثم يجمع ثلاثين يتيماً، ويعمل أجود طعام يمكنه، ويطعمهم في ذلك البيت ويخدمهم بنفسه، فإذا فرغوا كساهم وأعطى كل واحد منهم سبعة دراهم، فإذا فعل ذلك كان كمن حج
فأحضر حامد القاضي أبا عمر، فلما قرئ عليه ما ذكره الحلاج في ذلك الكتاب قال له: من أين لك هذا؟ قال: من كتاب الإخلاص للحسن البصري. فقال له: كذبت يا حلال الدم، قد سمعناه بمكة وليس فيه هذا. فلما قال له يا حلال الدم وسمعها الوزير قال له: اكتب بهذا. فدافعه القاضي؛ فألزمه الوزير، فكتب بإباحة دمه، وكتب بعده من حضر المجلس.
ولما سمع الحلاج ذلك قال: ما يحل لكم دمي، واعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة، ولي فيها كاب موجودة، فالله الله في دمي
ثم كتب الوزير إلى المقتدر يستأذنه في قتله، وأرسل الفتاوي إليه، فكتب إليه المقتدر: إذا كان القضاة قد أفتوا بقتله فليسلم إلى صاحب الشرطة، وليتقدم إليه فيضربه ألف سوط، فإن مات من الضرب وإلا ضربه ألف سوط أخرى ثم يضرب عنقه. فسلمه الوزير إلى الشرطي، وقال له ما رسم به المقتدر، وأوصاه إن خدعه وقال له أنا أجري الفرات ودجلة ذهباً وفضة ألا يسمع منه، ولا يرفع العقوبة عنه، فتسلمه الشرطي ليلا، وأصبح يوم الثلاثاء لسبع وقيل لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلثمائة، فأخرجه عند باب الطاق،