للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ينازعهما إلا المنافسون في دخائل صدورهم؛ وأما ظاهر الأمر فلم يكن لهما فيه شريك. حتى أن الباشا العثماني الذي كان يمثل السلطان لم يكن له إلى جانبهما أمر ولا نهي.

ولقد كان لكل من هذين الأميرين متجه يتجه اليه في رياسته، فكان ابراهيم صاحب السلطان، قائد الجيوش، ومدبر السياسة؛ على حين كان رضوان مؤلف القلوب، وقبلة القصاد؛ وان الأميران على اختلاف اتجاهيهما متفقين متآلفين، فقضيا في رياستهما سبع سنين ونيفاً

وكان بيت رضوان يتألق بالأنوار الساطعة، ويخلع عليه الفن المصري رواءه وبهاءه، وتجتمع في أبهائه هامات العنصر من الأدباء والعلماء، وقد كان بمصر حينئذ في الحق أداء وعلماء، على رغم من يتهم هذا العصر بالظلمة والانحطاط.

هناك على ضفة الخليج المصري اشترى رضوان داراً من أحد أكابر التجار، كانت واقعة على بركة الأزبكية، وموضعها اليوم ما يلي حديقة الأزبكية وميدان الأوبرا. وكانت تلك البركة إذ ذاك متنزهاً من منتزهات القاهرة المحبوبة، تحيط بها بيوت أعيان التجارة والأمراء. وكان للمير رضوان فوق ذلك في الناحية الشمالية الغرية من هذه البركة منظرة بديعة تطل من الغرب على الخليج الناصري، ومن الجنوب على بركة الأزبكية، ومن الشمال على بركة أخرى استحدثها الأمير بتوسيع مجرى الماء في الخليج القاهري مما يلي قنطرة الدكة. وقد نسق الأمير قصريه أبدع تنسيق، وجعل لهما حدائق فسيحة نقل البها بديع الزهر والشجر، وأقام في أركانها الجواسق الجميلة. وجعل في جوانب الحدائق مما يلي البركة قناطر لتجري المياه من تحتها، واتخذ فوق تلك القناطر مجالس للنزهة والاسترواح. وأما داخل القصور فكانت القباب العالية المحلاة بذوب المسجد، واللازورد، والزجاج الملون، وقد نقشت اعاليها وأسافلها بأروع النقوش وأدقها. وكانت الأنوار تسطع في هذه القباب في أثناء الليل فتكاد تخطف الأبصار من بهائها ودوائها

وفي هذه الأبهاء التي تأخذ بمجامع القلوب كان يجتمع أدباء العصر وأعيان العلماء يتسامرون في حضرة الأمير المحبوب، ويتجاذبون أطراف الملح والنوادر في حشمة ووقار لا يخرج عنهما أحد. وكان من هؤلاء اديب العصر الاعظم قاسم بن عطاء الله المصري، وصديقه مصطفى أسعد الدمياطي، وإلى جانبهما مجمع باهر من شيوخ وشبان، بعضهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>