للجد والوقار كالشيخين الشبراوي والحفني، وبعضهم للفكاهة كالشيخ عامر الانبوطي الهجاء
واجتمع مجلس الأدباء يوماً في القصر، وإذا بالأمير يسأل عن أحدهم فلا يجده. قال: (اين ابن الصلاحي؟) ولم يكد ينتهي من سؤاله حتى رد في جانب البهو صوت جهوري ينشد:
شاق طرف السرور وظرف الربيع ... فتملى بحسن تلك الربوع
ما ترى الزهر ضاحكاً لبكاءِ ال ... طل من در قطره بالدموع
وغصون الرياض تخلع أثوا ... ب التداني على الندى الخليع
فأنسنا بجمع إخوان صدق ... زان طبع الوفاء قدر الجميع
يا صلاحي أرح فؤادك والبس ... من بشير اللقا قميص الرجوع
فالتفت الجلوس كلهم نحو القادم فاذا هو الذي كان يسأل الأمير عنه؛ وصاح الشيخ عامر قائلاً: (لقد ذكرنا القط. . . .) فضحك الجمع ولم يمتنع عن الضحك الأمير، وجاس الأدباء بعضهم إلى بعض في أنحاء البهو الأعظم من قصر رضوان، وجلس الأمير على سرير عال من آيات الفن المصري، جوانبه من الخشب المخروط، تكتنفه وتتخلله رسوم من العاج والآبنوس والصدف، وقد كُسيت جوانب السرير بالحر الملون البديع، تتغير ألوانه في ضوء المصابيح المتألقة كما تتغير الألوان إذا وقع الضوء على رقاب الحمام القرمزي الداكن.
وأتجه الأمير إلى الأديب الأكبر ابن عطاء وأقبل عليه باسماً وقال له: (ماذا جئت به اليوم يا ابا عطاء؟ لقد رأيتك بالأمس تسير بين أشجار البستان، فقلت في نفسي لابد أن متحفنا اليوم بشيء جديد).
فأبتسم الأديب وقال: (الحق ما تقول أيها الأمير، دامت نعمتك، وأقر الله أعيننا ببقائك وعلو دولتك)
فقال له الأمير: (إذن فهات، وقد أحضرت لك الشيخ عامر الأنبوطي عمداً)
فصاح الأديب ابن عطاء وهو باسم وقال: (أعوذ بجاهك منه أيها الأمير!)
فصاح عند ذلك الشيخ متدخلا في الحديث (وماذا تخشى يا ابن عطاء؟ أليس لكل منه فنه؟)
فنظر إليه بن عطاء وهو باسط يديه بسطة الرجاء وقال: (لقد عذت بكنف الأمير من لسانك، فدون سوى إذا شئت)