الفهلوية في معاقلها هذه من التأثر بالعربية، فقد أصبحت تكتب بالحرف العربي ودخلتها ألفاظ وتعابير عربية أحالتها الى طور جديد من تاريخا عرفت فيه بالفارسية الحديثة. وبتنبه الشعور القومي عم استعمال اللغة المذكورة في تلك الأقاليم الثلاثة، حتى كادت العربية تنمحي من بعضها، كما يؤخذ من قول المتنبي:
مغاني الشعب طيبا في المغني ... بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار فيها ... سليمان بترجمان
وقد عول ساسة الدول الثلاث: الطاهرية والقارية والسامانية، على ان يجعلوا الفارسية الحديثة لغة أدب وتدوين، فشجعوا الشعراء على النظم بالفارسية، وأمر السامانيون بتدوين تاريخ قومي للفرس، ونظمه بهذه اللغة كما تقدم القول
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الفرس في أمر قوميتهم ولغتهم فانهم في أواخر القرن الرابع بحاجة الى مدد أدبي ممتاز يبعث في القومية الفارسية روحاً قوياً، ويثب دعائم الفارسية الحديثة وينهضها على أساس ثابت، وقد أمد الفردوسي قومه بهذا المدد. فالشهنامة تعي بأبسط عبارة وأبلغ تصوير تاريخ الفرس القدماء ومفاخرهم وآدابهم وأساطيرهم. لذلك اضحت في حياة ناظمها - وهذا أمر منقطع النظير - ملحمة قومية، ولم يمض طويل زمن حتى غدت (قرآن القوم) على حد تعبير صاخب المثل السائر
لقد أدى الفردوسي (رسالته الخاصة) أحسن الأداء، وأصبح فضله على قومه ولغته باقياً من بقي قومه ولغته وقد عرف له قومه هذا الفضل فذكروه في هذه الأيام فأحسنوا ذكراه، وشادوا فوق رفاقه بناء عالياً، وهذا جهد مثوبة الحي للميت. وان الانسان ليذكر في هذا المقام دانتي الإيطالي، وكورياس اليوناني، فكلاهما أذكى الروح القومي في بلهد، وجدد بمجهوده الخاص دارس لغته، هذا بنثره، وذاك بشعره.