للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالاستشارات عبث ولا خير فيها، ولا جدوى منها إلا الفضيحة. . . الفضيحة؟؟. نعم. أليس فضيحة أن تفتح قلبك لمخلوق غيرك، وأن تبيحه سرك، وتكشف له عن ضعفك، وتدع عينه ترى مقاتلك؟؟ ولكن هل معنى هذا أن الحب ضعف؟؟ نعم. لأن فيه إفناء شخصية في أخرى - إلى حد ما على الأقل - ولم أكن هكذا قبل أن أبتلى بهذا الحب. وأني الآن لأرى حياتي كلها رهناً بمخلوق آخر لا أعرفه ولا يعرفني. . . فكيف لا يكون هذا ضعفاً؟؟

وعلى ذكر ذلك من تكون هذه المحبوبة التي غيرتني وأورثتني هذه الهواجس والوساوس؟؟. وجعلت من نفسها المجهولة قطباً تدور عليه خواطري جميعاً في اليقظة والمنام؟. . .

واستغرب من نفسه أنه لا يعرفها، وأنه مع ذلك لا يعنى بسواها، في حي يعرف من إحصاء البوليس أن فيه مائتي قهوة ومائة وعشرين ألف نفس، أي دائرتين انتخابيتين. (ولو مات أهل الحي لما حزن عليهم، ولا أسى لهم، ولا أحس نقصاً أو خسارة، ولا أسف إلا على خلو الحي وخرابه وقعوده هو فيه وحده على تله! ولكنه لو علم أن هذه الفتاة جرح إصبعها أو أصابها زكام، أو وعك، لبات مسهّد القلب كاسف البال، بل لاسودت الدنيا في وجهه - ومع لك لا يعرفها!! لا اسمها. . ولا دينها. . ولا شيئاً عن قومها. . . وكل ما يعرف هو أنه يراها من نافذة غرفته وهو جالس إلى مكتبه يقرأ أو يكتب. . . وإنه ألف أن يبصرها، وصار على الأيام يطيل النظر إليها وهي واقفة على الشرفة العالية، حتى اعتاد أن يراها على الأيام، وحتى صارت نفسه تستوحش إذا دخلت أو غابت. وجعل يلاحظها بعد ذلك فأدهشه منها أنها لا تكاد تغادر بيتها، فما رآها خارجة إلا مرة واحدة في شهور طويلة - مع أمها فقد كانت تلك أمها بلا شك - وهي مع ذلك من السافرات!! وزاد دهشته أنه كان يراها في الأغلب جالسة في الشرفة وفي يدها كتاب. . . كتاب لا مجلة!!. ترى أي كتاب أو كتب تقرأ؟؟. لاشك أنها روايات. . وهل للفتيات صبر على غير ذلك؟؟. وللسن حكمها. . . وسنها الصغيرة تغريها ولاشك بإيثار القصص والروايات لأن حياتها جديدة فهي تروم أن تعرفها معرفتها؛ وتظن أن الروايات أخصر الطرق وأوجزها إلى هذه المعرفة. . . ثم أن الروايات تصف كل هو ما هو حبيب إلى الشباب وقريب من هواه

<<  <  ج:
ص:  >  >>