وصار يأنس بمنظرها، ويرتاح إذا بدت لناظره، ويشعر بالفراغ حوله - وفي نفسه - إذا خلا مكانها، أو لم تظهر على الشرفة أو من النافذة. وأدهى من ذلك أنه صار يحس من نفسه العجز عن العمل والتفكير إذا لم تأخذها عينه في محلها المألوف من الشرفة
واستحيا أن يسأل عنها جارا، أو خادما، أو أحداً من الناس - وماذا عسى أن يقول لهؤلاء؟. . . وبأي شيء يسوغ السؤال؟؟
وفرك عينيه بأصابعه، وهو يدير هذا كله في نفسه، ثم أطبق جفونه وراح يحاول أن يحضرها لذهنه، كما تبدو له من النافذة أو الشرفة المألوفة،. . فلم يجد عناء في ذلك، فقد كانت الصورة مطبوعة على صدره. . . وذكر قول العقاد في قصيدة مرقصة له:
ذهبيّ الشعر ساجي ال ... طرف حلو اللفتات
فأما أنها ذهبية الشعر فنعم! وأما أنها ساجية الطرف فلا. . فإن في نظرتها - حتى على هذا البعد - لقوة، وإن كان لم ير أحلى من نظرتها ولا أسحر للب حين تبتسم، ويشرق وجهها الواضح الصبيح، وأنه ليراها الآن كما كانت يوم ضحكت وتثنت، وكانت معها أختها - لا بد أن تكون هذه أختها الكبرى فإن فيها منها مشابه. والأرجح أنها متزوجة فإنها لا تزور هذا البيت إلا غبّا - وتالله ما كان أحلاها يومئذ!! لقد كانت في ثوب وردي اللون محبوك، مفصل على قدها تفصيلاً يجلو محاسنها كلها ويعرض مفاتنها جميعاً. . . وكان نحرها يضيء - وثدياها الناهدان يبدوان من تحت الثوب بارزي الحلمتين. . . إيه ما أعظم فتنة هذا الجسم الغض الجديد الذي لم تبتذله السن، ولم يرهله الزواج. . . وكان شعرها الوحف الأثيث الناعم اللامع مرخي. . . وكان الضوء المراق عليه يخيل للناظر أن فيه نجوماً زهرا، أبهى وأسنى من نجوم السماء. . . وكان وجهها الدقيق المعارف. . . (يا ويلي من هذا الفم الذي لم يعرف الأصباغ، وهو مع ذلك يبدو لي كأنما غَذَتْهُ الورود) متهللاً. وقد لانت نظرتها القوية، وفقدت حدتها المألوفة، واعتاضت منها الرقة، وبدا خداها كأنهما غلالتا ورد. . . آه. . ماذا يقول هذا الشاعر مهيار؟؟
آه على الرقة في خدودها ... لو أنها تسري إلى فؤادها!!
صحيح. . . . . وليت من يدري كيف فؤاد هذه الفتاة الرائعة الرقيقة الخدين اللينة النظرة حين يسرها شيء. . . . . أرقيق هو يا ترى كخديها؟؟ أم. . . كلا!! لا يمكن أن يكون إلا