المترجمين الذين حذقوا أدب اللسانين المترجِم والمترجَم في دقة فهم وجمال صياغة. ثم تجعل مع هؤلاء أديباً من أهل اللسان الأوربي يتولى اختيار الكتب الخالدة لكل كاتب أو شاعر، ثم يكون مرجعاً للمترجمين فيما عسى أن يغمض عليهم من خفايا الكنايات وأسرار الجُمل؛ فإذا خرج الكتاب من الترجمة والمراجعة انتهى إلى أستاذين من أساتذة البيان العربية فيصقلان أسلوبه ويهذبان لفظه؛ ثم تنشر مطبعة اللجنة هذه الكتب تباعاً على غرار واحد وشكل رائق وتصحيح دقيق. واللجنة تهيئ الأسباب لتبدأ عما قريب في إخراج الأدب الإنجليزي، حتى إذا فرغت منه اشتغلت بغيره. والتعليق على مثل هذا المجهود الخطير المعجز لا يكون بغير الدعاء إلى الله أن يقرن العمل بالتوفيق ويقطع الأمل بالفوز. وليس بعد الله من يعين على هذا الجهد إلا الحكومة. فإن الجمهور القارئ في مصر وفي غير مصر قليل، وأكثر هذا القليل يكاد لا يعرف طريق المكتبة ولا يألف صحبة الكتاب. فترك اللجنة إلى أهواء القراء معناه حبس أموالها القليلة في المخازن والمكاتب فلا تقلبها في تأليف ولا نشر؛ والحكومة التي تساعد المدارس والمجامع والصحف، وتعول المجمع اللغوي ودار التمثيل ودار الكتب، لا تستطيع أن تضن بالمساعدة السخية على هذا المشروع الضخم تقوم به صفوة من أقطاب الثقافة في هذا البلد وقد كان من واجباتها الأولى أن تفكر فيه وتنهض به.
ولقد كان من فضل الله على (الرسالة) أن تحمل عبئها من هذا العمل الجليل المثمر، فقد أمضت النية على أن تصدر بجانبها أختها (الرواية) وهي مجلة أسبوعية تعتمد على نقل ما راع وخلد من بدائع الأدب الغربي في القصص على أوسع معانيه من الأقاصيص والروايات والمذكرات والاعترافات والرحلات والسِير. وسيكون شعار (الرواية) الجمال في الأسلوب، والحسن في الاختيار، والنبل في الغرض؛ فترضي الذوق كما ترضي (الرسالة) العقل، وترفع القصة كما ترفع (الرسالة) المقالة، وتسجل أدب الغرب كما تسجل (الرسالة) أدب العرب.
ولا جرم أن الأدب العربي سيكون له في كل عام مما تنتجه (اللجنة) وتترجمه (الرواية) وتنقله الصحف الأخرى، مورد ثَرُّ الينابيع، فياض الجوانب، من العبقريات الممتازة والقرائح السمحة، يحيي مواته، ويزكي نباته، ويجعل من سهوبه الفيح جناناً ناضرة، فيها