الأندية ومثار الظنون، لأن الناس عجبوا أن يستتر الناقد وهو على هذه الكلمة من ثقوب النظر، وقوة التوجيه، وصحة الأستدلال، وعفة اللفظ. وأفضى إلي مرة أخرى بأنه يقرض الشعر منذ الحداثة، إما مناقله بينه وبين نفسه؛ وإما مساجلة بينه وبين إخوانه. ثم أنشدني مطارحة من جيد النظم جرت بينه وبين الأستاذ المفتي الجزائري، وقصيدة دالية من المطولات وصف فيها فساد الطباع في الناس، وسقوط الأخلاق في المجتمع. فلما طلبت إليه أن يهديها إلى قراء الرسالة سوَّف هربا من سقوط الأضواء ثانية عليه وهو مضطجع على أعراف المجد يسترفه من مكارة الواجب وتكاليف النبوغ. وما زال الناس يرددون هذه الأرجوزة القصيرة التي نظمها وكتبها على قبر زوجته وقد نعم بالعيش معها سنة واحدة ثم توفاها الله بحمى النفاس فلم يتصل بامرأة بعدها حتى لقيها:
يا وردة عاشت حياة الورد ... عمراً قصيراً وثوت في اللحد
لولا بريء غافل في المهد ... يرضيك أن أحيا ليحيا بعدي
لعجًّلت بي زفرات الوجد
أما بعد فماذا ينشر الكاتب الموجز وماذا يطوي من حياة أقل مفاخرها موضوع كتاب، وجملة مآثرها تاريخ عصر؟
رحم الله المحامي المدرة، والقاضي المجتهد، والوزير النزيه، والدستوري الحر، والفقيه الحجة، والخطيب المفوه، والكاتب البليغ، والشاعر المجيد، والناقد البصير، والأديب المطلع، وألهمنا على فقده جميل الصبر، وعوضنا من بعده خير العوض!