البغض كأنه في صوتين لا في في صوت واحد. ولعل هذا هو الذي أحسه الشاعر العربي بفطرته - من تلك المرأة الصاخبة الشديدة الصوت البادية الغيظ، فضاعف لها في تركيب اللفظ حين وصفها بقوله:
صُلًبّة الصيحة صَهصَلِيقها
قال أبو معاوية: واستأذنت على (تلك) ودخلت بعد أن استوثقت أن عندها بعض مَحارمِها؛ فقلت: أنعم الله مساءَكِ يا أم محمد. قالت: وأنت فأنعم الله مساءك. فأصغيتُ للصوت فإذا هو كالنائم قد انتبه يَتَمَطى ولا هو خالص للرضى
فقلت: يا أم محمد إني جائع لم ألِم اليومَ بمنزلي. فقامت فقربت ما حضر؛ وقالت معذرة يا أبا معاوية، فانما هو جُهدُ المُقل وليس يعدو إمساك الرمق. فقلت إن الجوْعان غيرُ الشهوان؛ والمؤمن يأكل في معي واحد ولم يخلق الله قمحاً للملوك وقمحاً غيره للفقراء
ثم سميتُ ومددتُ يدي أتحسسُ ما على الطبق، فإذا كِسَرٌ من الخبر معها شيء من الجزر المسلوق فيه قليلٌ من الخل والزيت؛ فقلت في نفسي هذا بعض أسباب الشر. وما كان بي الجوعُ ولا سدُّه. غير أني أردتُ أن أعرف حاضِرَ الزرق في دار الشيخ فان مثل هذه القبلة في طعام الرجل هي عند المرأة قلةٌ من الرجل نفسه؛ وكل ما تفقده من حاجاتها وشهوات نفسها فهو عندها فقرٌ بمعنيين: احدُهما من الأشياء والآخرون من الرجل. كلما أكثر الرجل من إتحافها كُثر عندها وإن أقل قَل. وإنما خلقت المرأة بطناً يلدُ، فبطنها هو أكبر حقيقتها، وهذه غايُتها وغايةُ الحكمة فيها. لا جَرَم كان لها في عقلها مَعِدةٌ معنوية؛ وليس حبها للحلي والثياب والزينة والمال، وطِماحُها إليها واستهلاكُها في الحرص عليها والاستشراف لها - إلا مظهراً من حكم البطن وسُلطانه؛ فذلك كله إذا حققته في الرجل لم تجده عنده إلا مِن أسباب القوة والسلطة، وكان فقدُه من ذرائع الضعف والقِلة.
فاذا حققته في المرأة ألفيتَه عندها من معاني الشبع والبطر، وكان فقدُه عندها كأنه فنٌ من الجوع، وكانت شهوتُها له كالقَرمِ إلى اللحم عند من حُرِم اللحم. وهذا بعضُ الفرق بين الرجال والنساء؛ فلن يكون عقلُ المرأة كعقل الرجل لمكان الزيادة في معانيها (البطنية) فحسبتْ لها الزيادةُ ههنا بالنقصُ العقل فهذه علته؛ وأما الدينُ فلغلَبة تلك المعاني على طبيعتها ما تغلب على عقلها. فليس نقصُ الدين في المرأى نقصاً في اليقين أو الأيمان فانها