وقال واحد من الثلاثة - أولئك الذين حسبتهم من الطلبة أو صغار الكتبة - وهو مبدن ذو وجه مربع كأنه مصنوع بفأس النجار، يخاطب أحد صاحبيه مشيرا إليها:
- إنها لذات وجه صغيرا جدا، وقد صبغت وجنتيها بالصبغ الأحمر لتستر اصفراره ولا شك، فما أقبحها!)
ورفع إلى فمه كأسه، ولم يستمر في انتقاده. أجاب الذي خاطبه وهو أشقر اللون حسن البزة:
- (كلا يا أخي. إنها لجميلة يجملها شعرها الفاحم المقصوص طبقا للطريقة العصرية التي شاعت في الأيام الأخيرة)
وراح ثالثهما، وهو فتى غرانق، طلق المحيا باسم الثغر، يشعل طرف سيكارته ويدخن صامت، والتفت إليه ذو الوجه المربع يسأله:
- (هل سليمان قادم إلينا؟)
- (سوف يأتي. ولكنه لن يأتيانا بقلب مفتوح السرور، أنهم ظلموه حقا إذ استلوب منه وظيفته، على ما تعلمون)
قال الأول: وقد احتسى آخر حسوة من كأسه!
- (ليس في خدمة الحكومة شرف للإنسان، فان كان سليمان فتى (وطنيا) مخلصا في عقيدته السياسية فأمامه سبل العمل المطلق كثيرة، والجهاد. إن خوض المعركة في ساحة الجهاد الوطني قد اقتربت ساعته؛ فالشعب قد أرهقته الضرائب، والاستقلال الذي وعدونا صار مجموعة من المناصب العالية، وعمت في نظمنا الفوضى، فماذا نريد أكثر من ذلك لكي نسوغ خروجنا ونهوضنا نحن الشباب؟ وإلى متى نحسب أن سبل العيش مسدودة أمامنا، فلا نعرف من طرائق الارتزاق والتكسب إلا الوظيفة؟)