للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد حوار قصير سكتوا، وكانت فترة بين فصلين

- ٢ -

أقبل الفتى الذي عرفت من بعد أنه هو سليمان على صحبه في بداية الفصل التالي عجلا يلهث، فحيا، وألقي على المائدةجريدة كان يحمل، ونزع سدارته، ثم جلس، وكانت آثار التعب بادية عليه، واستغرب صحبه حاله، وناوله ذو الوجه المربع سيكارة ثم سأله:

- (هل حدث حادث غير الذي نعلم؟ وهل كان اليوم أيضا تظاهر سياسي؟)

- (تظاهر سياسي؟ كيف؟ تظاهر سياسي مرة أخرى؟ أولم يكفنا ما لقينا أمس في تظاهرنا من ضرب الشرطة إخواننا المتظاهرين بالعصي وإرهاقهم؟ وما الفائدة؟)

وكان يجيب صاحبه وهو يتكلف الهدوء، ولكنه كرر (ما الفائدة) مرتين ثم انفجر صاخبا

وكان العواد والكماني يطربان الحاضرين بقطعة موسيقية من مبتكرات سامي الشوا إيذانا بانتهاء دور الراقصة المغنية الأولى

- (لم يبق أمل. . .)

نطق بهذه العبارة حانقا، يائسا، وضرب المائدة بقبضة يده ثم قال:

- (. . . البلاد مقيدة بالمعاهدة، والمناصب الكبرى للأجانب وذوي العقول القديمة، وفتيان العراق لا يجدون واسطة لأعلان شعورهم ضد الاستعمار؛ وهم إذا ما تظاهروا معلنين سخطهم على الصهيونية مثلا كما فعلوا أمس، سحقوهم بسنابك الخيل. . . قبض الشرطة الآن على عبد الكريم، وأحمد حسن وطاهر، ولطفي. . . وواحد من المتظاهرين في المستشفى جريح. .)

واشتد صخبه وصراخه. وكان صحبه، مع ترحيبهم به؛ وتقبلهم آراءه، يتلقون نظرات المحيطين بهم الدالة على استغرابهم هذه الخطبة، التي لم يسمع أحد مثلها في المراقص، في شيء من الارتباك. وناد الفتى الغرانق الخادم ليأتي ضيفهم الثائر بربع من الخمر الأبيض

ثم أقبل صاحب المرقص على سليمان متلطفا يسكته، وينبهه إلى أن فيما قاله الكفاية، وأن الخوض في شؤون الوطن وسياسته في المرقص بين الكأس والعود ضرب من العبث؛ (واليوم خمر وغدا أمر)؛ وكان الرجل أديبا ظريفا، فأفض على الجماعة بجملة من النوادر قبل أن يتولى عنهم وينصرف

<<  <  ج:
ص:  >  >>