القاضي الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي من بقايا السلف الصالح، يرسل علينا من آن لآخر آيات فيها العضة والاعتبار بأسلوب رشيق وقصص ممتعة، وفيها أيضاً إثارة من قلم أستاذنا الرافعي طيب الله ثراه.
ساق إلينا في (الرسالة) رواية عن شاب مستقيم الخلق والدين عهد إليه بالتعليم في مدرسة ثانوية للبنات، ثم انتهى به فساد بعض التلميذات إلى الاستقالة من المدرسة؛ ولي على الكاتب الفاضل ملاحظات:
١ - تغلب عليه روح التشاؤم فيما يكتب، ونحن في عصر النهوض أو في عصر انقلاب اجتماعي وقد نسيء أو نحسن، فنحن في حاجة إلى من يروضنا ويبعث فينا روح التفاؤل بأسلوب يهز النفوس هزا لتنشط إلى السير قدماً في طريق الفلاح والنجاح، ويحملها على الاعتراف بالخطأ فتصفو من عيوب المجتمع وتسلك سواء السبيل.
٢ - لقد قدم لنا بطله في مدارس البنات شاباً ضيق الأفق ضعيف الحيلة اشد حياء من العذراء، ثم صور تلميذته في صورة داعر تعشق معلمها من غير مقدمات. . . وليتها فعلت كما قال شوقي:
نظرةفابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء
وما هكذا طبائع الأشياء، وما كذلك مدارس البنات!
٣ - كثيراً ما تتغلب الفكرة والخيال على الأستاذ الكاتب فيفوته الواقع في قصصه:(فهي فتاة من أنبل الأسر تسرع وراء معلمها فيعف عنها ثم تكتب له:
وإذا رأيتك لا تكلمني ... ضاقت على الأرض والأفق)
وما كان لها أن تخجل وتعرض عن معلمها بعد أن صد عنها وأعرض، حتى هجمت عليه في منزله كالوحش الضاري لتهتك عرضه
لا - يا أستاذ - لقد شط معلمك شططاً بعيداً. ولعلي أصدقك - وقد كنت في ماضي حياتي معلماً في مدارس البنات - فهذه المخاوف التي استولت على ذهنك كنا نتصورها، أو قريباً منها، حتى إذا وجدنا أنفسنا في هذا الوسط أحسسنا أن هؤلاء البنات بناتنا والمعلمات أخواتنا، وزال هذه الخوف الأسود من مشاعرنا، وصارت الحياة عادية، وهذا شأن سائر المعلمين في مدارس البنات