وفي هذه البطائح موطن الأسود، ظهرت دعوة المرابطين، فانتشرت وامتدت. ومن منا يجهل يوسف بن تاشفين وجهاده وحروبه بالأندلس؟ والله لو تأخر مقدمه، لاكتسح الفرنجة أرضها قبل يوم الميعاد بأربعة قرون. فبالله ما رأيك في سيف يؤخر حكم القدر أربعمائة عام؟
وعلى هذه الرمال ظهرت قوة الموحدين، وهم أناس شيدوا ملكاً وقادوا الجحافل ولهم أيام ومعارك وفتوح.
وإذا نزلت جنوباً عن الكفرة، ذكرت حركة المهدي، وهي دعوة إصلاح وإخلاص تحركت بها النفوس وآمنت، وسارت في طريقها، ولم يضعف من شأنها غير وفاة صاحبها قبل أن تثبت جذورها.
وأخيراً دعوة السنوسية وانتشارها، وافتتاح الزوايا والأربطة والعمل في سبيل الله، والدفاع عن أراضي برقة وليبيا.
إن أرض العروبة في أفريقيا، سواء في شمالها أو صحاريها أو جنوبي مصر، موطن للحركات القوية، التي تنبثق من أيمان أهليها، فتخرج إلى الدنيا، لتهز الدنيا، وتؤسس الملك وتقود الشعوب وتحرك الهمم. هذا شأن هذه البقاع منذ عرفتها العروبة وعرفها الإسلام.
فأهل مراكش في جهاد دائم منذ الأعصر الأولى، يرابطون في منازلهم ويقاتلون في سبيل الله، وما من ملحمة في تاريخ العرب بالأندلس إلا وسمعت أن لأهل المغرب لهم فيها المواقف الباسلة والأيادي التي لا تنسى.
وقس على ذلك سائر سكان هذه البلاد، كان هذا شأنهم حتى دهم الاستعمار بلادهم، فهل هبطت عزائمهم؟
إن تاريخ المغرب في قرن من الزمن، هو صفحة مجد لم تكتب ليومنا هذا، ولكنها ستكتب يوماً وسيعلم الناس من أمرهم الشيء الكثير. . .
وأعود إلى الكفرة، بقيت هذه البقعة آخر معقل للإسلام والعروبة، حتى دهمها الطليان في يوم من آخر أيام سنة ١٩٣٠ فافتتحوها واقتصوا من أهلها وشردوهم، وفي طريقهم إلى واحات مصر، حلت بهم أكبر نكبة في القرن العشرين.
والآن وقد طوى حكم الطليان عنها هل عادت لأهلها؟ كلا لا تزال تحتلها جنود فرنسا، بل