جلالته حتى خرج هذا الوزير من الوزارة، وتولاها غيره، ثم أمر بأن يفرش الأزهر بالسجاد على نفقة جلالته الخاصة، وبأن يكون السجاد مصرياً من صنع مصريين. ولو أن جلالته أمر بذلك والوزير السابق قائم بالأمر في الأوقاف، لكان هذا بمثابة دعوة صريحة إلى الاستقالة، ولكن جلالته تريث حتى لا تختلط الحسنة بالسيئة، فليس همّ جلالته أن يؤنب وزيراً، وإنما همه أن يصنع جميلاً وأن يسدي مكرمة. والأزهر معهد مهول، وسيحتاج من السجاد إلى شيء كثير، فأخلق بصناعة السجاد المصرية أن تنشط من جراء ذلك نشاطاً عظيماً، وجدير بالسجاد المصري أن ينفرد بالسوق بعد هذا فلا يتخذ مصري سواه.
ولا يزال جلالة الملك في صدر الشباب، ومع ذلك آثر الزواج على العزوبة؛ وله في ذلك حكم لا حكمة، فإنه ملك، والملك قدوة لشعبه. والمثل يقول إن الناس يكونون على دين ملوكهم، والزواج عفة وتقوى وحصانة. وقد وقع اختيار جلالته على مصرية من بيت كريم، وفي هذا الاختيار معنى إنساني بارز، ومظهر ديمقراطي لا يخفى، فقد عرف جلالته الآنسة ذو الفقار، وكانت تصحب الأسرة الملكية في رحلتها في أوربا، فهو اختيار فيه كل المعاني الإنسانية وليس فيه أي معنى سياسي. وحسناً صنع جلالته، فما بقي للزواج السياسي أية فائدة أو قيمة في هذا الزمان. وإن الأمة المصرية تشعر الآن أنها صارت أقرب إلى ملكها بهذا الاختيار الموفق الذي احتذى فيه جلالته حذو المغفور له والده العظيم. وقد كان مما تحرص عليه الأسر المالكة في العصور الماضية أن تبقى بمعزل عن أممها، فلا تخالطها، ولا تصاهرها، وقلما كانت تبادلها حتى الشعور، فالآن تغير كل هذا، وأدركت الأسر المالكة أنها لشعوبها وأن شعوبها لها، وكان من خير ما صنع المغفور له الملك فؤاد وأوقعه في نفوس الأمة أن آثر أن تكون جلالة الملكة من رعاياه. واليوم يقتاس به جلالة الملك فاروق فيختار الملكة من رعاياه كذلك، فلا يبقي موضع في قلوب الأمة غير مشغول به
وهكذا يمحو جلالة الفاروق الفوارق التي تباعد ما بين الملك وأمته اكتفاء بالولاء الصادق، والإخلاص الصحيح، والحب الثابت، والإجلال العميق، واستغناء بذلك عن كل ما عداه مما لا خير فيه، ولا محل له في هذا العصر، فإن الملوك من طينة الخلق جميعاً، فلا معنى