للحرص القديم على أن يظلوا طبقة مستقلة عن شعوبهم لا تمسها ولا تقربها ولا تتصل بها من ناحية من النواحي. وأخلق بالشعوب أن تكون أعمق ولاء وأصدق وفاء لملوكها إذا شعرت أنهم منها، وأنهم يمثلون خير ما للأمة من المزايا والخصائص والصفات والطباع؛ وأنهم رمزها الأعلى حقاً، وعنوانها الأرفع صدقاً، وأن الأمر في ذلك أمر حقائق واقعة، لا أمر ألفاظ جوفاء وكلمات فارغة.
لقد ثبت العرش البريطاني على الرغم من زلازل الحرب العظمى وما تلاها، لأن الشعب البريطاني يعرف أن العرش منه وله، وأنه عنوان مجده، وأنه الصلة الوثيقة بين إبعاض إمبراطوريته؛ ولَلْعرش في مصر أحق بالثبات والدوام على الزمن، فقد قامت هذه الأسرة المجيدة باختيار الأمة لها، وكان المصريون هم الذين ولوا محمد علي باشا أمرهم، وألقوا إليه بمقاليدهم، وملكوه زمانهم. ولم يخيب محمد علي على ظن مصر به ويقينها فيه، فقد رفع مقامها، وأعلى شأنها، وجعل منها دولة محسودة مرهوبة الجانب، مخوفة السطوة؛ وحسبه فخراً أن احتاجت الدول العظمى إلى التألب عليه والائتمار به لحرمانه ما كان حقيقاً أن يفوز به من الثمرات. ولا شك أن مصر مدينة برقيها الحديث للخديوي إسماعيل على الرغم من كل ما جر إليه حكمه، وإن كان مؤرخو الغرب يبالغون في ذلك ويهولون به ليستروا مؤامرات أوربا ومكائدها، وما أوقعت فيه مصر بسوء نيتها وفساد طويتها. والمغفور له الملك فؤاد هو الذي أزخر تيار النهضة الحديثة وعرف كيف يذلل كل عقبة اعترضته في الاحتلال وفي عدم الاستقرار. والآن يجيء جلالة الملك فاروق بفيض من الحيوية، وبمثل حكمة الشيوخ المحنكين في شبابه الغض، وبقلب كبير ملؤه الحب لأمته، وعزم صادق على الوثوب بها. ولَحسْبنا هذه الفواتح بشيراً بمستقبل سعيد في ظل حكمه المديد المبارك إن شاء الله.