الوزارات، ولكن تنوُّع المصادر التي تؤلف خطاب العرش لا يُعفي الرئيس من إنشائه بطريقة مُحكَمة تضعه في الصف الأول بين الوثائق الأدبية التي يعتز بها العهد الجديد: عهد فاروق بن فؤاد
ولكن ما هي المآخذ التي توجَّه إلى خطاب العرش من الوجهة الأدبية؟
نلاحظ أولاً أن فيه عبارات لا تقال في وثيقة رسمية كالعبارة الآتية:
(قد آن لنا أن نعمل وأن نلبي داعي الوطنية والإيمان، داعي الرجولة والتضحية والكفاح)
لأن الحكومة الجديدة ليست أول من يعمل حتى يشهد لها بذلك، وإنما عملُها حلقةٌ من سلسلة كونتها الحكومات المصرية من قبل، وقد شهد رفعة الرئيس بأن فيمن سبقوه رجالاً كانت لهم وطنية وتضحية وإيمان
وكذلك نقرأ في خطاب العرش:
(وقد فطن جدي الأعلى محمد علي الكبير إلى الصلة المتينة التي تربط الجيش الوطني القومي بفروع الإصلاحات والإدارة العامة: فما كاد الجيش المصري يظهر في الوجود حتى ظهرت في البلاد إدارة منظمة ومصانع ومعامل ومدارس لا عداد لها)
وليس هناك شكّ في أن المغفور له محمد علي الكبير نهض بمصر نهضة عظيمة، ولكن لا يقال إن عهد محمد علي كان أول عهد لظهور الجيش المصري في الوجود، فإن معنى ذلك أن مصر لم تكن أمة قبل أن تعرف محمد علي الكبير. والرأي الصحيح أن مصر كانت أمة لها وجود أدبي واجتماعي وسياسي، فلما جاء محمد علي عملت يداه في تنظيم ما كان في مصر من قوة أدبية ومعنوية فكان لها المكان الذي عرفته الأمم في التاريخ الحديث. . . كان محمد علي الكبير تركيّاً، وكان يسرهُ بالطبع أن تكون لغة مصر هي التركية، ولكنه رأى بثاقب الفكر المبدع أن اللغة العربية من أقوى مظاهر القومية المصرية فساعد على تقوية اللغة العربية ليتأصل حبهُ في القلوب المصرية، ومن كان هذا حاله لا يقال إن عهده كان أول عهد لظهور الجيش المصري في الوجود
وفي خطاب العرش أن مصر لذلك العهد ظهرت فيها مصانع ومعامل ومدارس لا عداد لها، وجملة (لا عداد لها) جملة يراد بها التفخيم، ولكنها لا تُقبَل في وثيقة مثل خطاب العرش، لأن هذا مقام يفضَّل فيه القصد في الإغراق