الأسس والأركان واستقرار البناء على نظامه الأخير تكاد - في رأينا - تفوق في إثارة الحس الاجتماعي الذي ينوه به الأستاذ تنويهاً قوياً اكتشافاتِ القرن السابع في الأمريكتين وأفريقيا وآسيا جميعاً؟
ماذا كانت حوافز الارتياد والاكتشاف الصحيحة في القرن السابع عشر، ثم كانت النتائج القريبة والبعيدة لذلك؟ قبل أن نحاول الإجابة عن هذا السؤال نقرر أن الكشوف الجغرافية يجب ألا تقدر تقديراً هندسياً ولا تحسب بكذا ألوف وملايين الأكيال والأميال إذا أردنا تقدير الأثر النفسي أو الحس الاجتماعي لها في نفوس الرواد والقاعدين وراءهم من شعوبهم أو غير شعوبهم
هذا كولمب أعظم المكتشفين، أي إحساس اجتماعي وأية معانٍ إنسانية كانت تحفزه إلى الكشف والارتياد؟ أنقول: لقد جهز كولمب مراكبه وأعد عدته وغامر مغامرته استجابة لما كان يجيش في نفسه ونفوس قومه من حب الاطلاع على الشعوب المجهولة والأقطار المأهولة الضائعة وراء الاطلانطيك، فيستطيع أن يصحح للناس آراءهم الخاطئة في هاته الشعوب والأقطار؟ أم الأصح أن نقول: إن كولمب غامر مغامرته ليصل إلى الهند التي لم تكن مجهولة إذ ذاك، ويفتح طريقاً للاتجار وتبادل السلع معها، غير الطريق القديم، فقاده وهمه إلى أرض جديدة وشعوب جديدة غير أرض الهند وغير شعوبها؟ فأية حاسة اجتماعية في هذا، وأي معنى من معاني التواصل الإنساني الصحيح؟
ثم هذه الشعوب التي كانت وراء كولمب؟! ألم يحف كولمب ويوشك أن يدب اليأس المرير إلى صدره في الانتقال من عاصمة إلى عاصمة من عواصم أوربا يستجدي مناصرة الأمراء والملوك قبل أن تمن عليه إيزابيلا بما منَّتْ ومكنته من المضي في مغامرته؟ قابل هذا بما يلاقيه الرائد اليوم من العطف والتشجيع المادي والأدبي من جميع طبقات الشعب، فتدرك أي فرق ثمة بين العصرين!
هذا ولينظر الأستاذ العقاد ما أصاب كولمب بعدها من حمق الغفلة، ولؤم المنافسة، ليدرك أي المعاني الإنسانية وأي الحواس الاجتماعية، وأي الشكر لهذا الفتح العظيم قد أثار كولمب في صدور قومه!!
قد يقول الأستاذ العقاد: ليس من الضروري أن تكون الغاية ما ذكرنا من حب التواصل