الإنساني والاستجابة لدواعي الغريزة الاجتماعية، ويكفي أن تجيء النتيجة كذلك في هذه المغامرات والكشوف. أحسب أن الأستاذ يعفيني هنا من الإجابة الطويلة. فهو لا ريب يعلم علم اليقين النتائج المحزنة التي أفضى إليها اكتشاف كولمب ودي جاما ومجلان لأمريكا وغيرها من الأقطار المجهولة، ويعلم أن الذهب والفضة والقتل والتحريق والتدمير والاسترقاق والاستعمار كانت النتائج الأولى لذلك الاكتشاف؛ فأية حاسة اجتماعية هنا وأي تواصل صحيح بين الناس؟!
قابل بين أغراض الاكتشاف وحوافزه ونتائجه هذه في القرن السابع عشر، وبينها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فترى كيف يجب ألا نقدر الاكتشافات الجغرافية، من حيث الحس الاجتماعي، تقديراً هندسياً.
فأنا أرى أن ارتياد القطبين والمعيشة بين الإسكيمو ودراستهم درس العطف والفهم الصحيح لقيمة الحياة البشرية، وأرى أن اختراق رمال الربع الخالي والاطلاع على نماذج الحياة الأولى في البادية العربية أجل وأسمى في الأغراض والنتائج الإنسانية من كشف الأمريكتين وأفريقيا والهند جميعاً. وأرى أن الفتاة التي تقضي السنين في إحدى جزر الباسفيك تدرس الحياة الجنسية لأهل تلك الجزيرة وتكتب كتاباً رائعاً تقول فيه: إن هذا الشعب الذي لا يزال على الفطرة أكثر إنسانية وأعظم مدنية في ممارسة الغريزة الجنسية من أرقى الشعوب الأوربية. هذه الفتاة في رأيي أعظم في مجال إثارة الإحساس الاجتماعي والتقدير الصحيح لمركز الرجل المتمدن من جميع الرواد القدماء
هذا ويجب ألا يفوتنا أن عصرنا وحده هو عصر الارتياد الجغرافي الزماني؛ فالباحث الأثري اليوم بمعوله ومجرفته في رمال مصر وربى فلسطين وصحراء العراق يفعل ما لا يفعله ملاح أو رائد من الرواد القدماء
نضيف إلى هذا أن دارون عاد من طوافه بقارات العالم بأعظم أداة من أدوات إزالة الجهل والغرور والاعتقاد بالكيان الأوحد المنعزل، حينما سوى بين الإنسان والإنسان، ووصل بين الإنسان والحيوان، ولم يكن هذا طبعاً في القرن السابع عشر
وأخيراً كشوف الكواكب وكشوف الذرة والأثير وسؤال الأستاذ: (ولكن ما شأن هذه الكواكب وما نحن فيه؟ وأين هي من الحاسة الاجتماعية التي تعلق بها القصص وأبطال الرواية