دانتي على النار يعيرها أولاً ثم (المطهر) بعدها حتى يصل إلى الفردوس. فما ظنك بذلك الطريق الشائك المترع بالأهوال والآلام؟!
فبينا هو في غابة موحشة إذا به يتخلص منها إلى أكمة تكلل هامتها شمس الصباح فيهم بصعودها حتى إذا سار قليلاً رأى نمراً قبيحا يسد عليه شعاب طريقه، ثم يرى أسداً مخيفاً وذئبة قاحلة حدقته بنظراتها، فكر راجعاً إلى سفح الأكمة فرقاً ورعباً، فثار في نفسه اضطرابها حتى أتاه (فرجيل) فاستغاثه فهدأ روعه، وحدثه بأن سبيل النجاة من هاتيك المخاطر هي رحلة في أعماق الجحيم، ومنها، إلى الأعراف، ثم إلى الفردوس. ثم حدثه بأن بياتريشي أوفدته لإنقاذه مما هو فيه من أخطار. فاطمأن قلبه وهدأ روعه وعقد عزيمته على اجتياز الجحيم فاجتازها بين أنين العصاة وعويل المذنبين، مما حدثتك عن كثير منه في المناسبات الماضية. حتى إذا انتهت رحلته من جهنم أمسك فرجيل بابليس، وأمسك دانتي بعنق فرجيل، وساروا قليلاً حتى خلصوا من الجحيم، وأسلمت الجحيم دانتي إلى الأعراف فدخلها وسار في جنباتها يتحدث مع العصاة الذين يتطهرون من ذنوبهم ومن آثامهم، حتى إذا قارب نهايتها رأى نهراً ينفرج عن ماء رقراق، فبصر بالنهر وبفتاة على سيفه الآخر، وهي تغرد بصوت مطرب وتقطف الزهرات، فطرب دانتي واقترب منها فقصت عليه حديث النهر، وأن اسمه نهر ليتي نهر التوبة، من أغتسل منه طهر من ذنوبه، وبرئ من آثامه، ثم عاودت الفتاة الغناء، وعاد له من الفتاة الطرب.
ثم تراءت أمام عينيه أضواء تشع في أرجاء الغابة، وتواردت على سمعه نغمات حلوة لم يكد يطرب لها حتى تراءت له من بعيد سبعة أجسام كأنها شجرات من خالص الذهب، تبينها فإذا هي مصابيح تحمل أضواءها كل ألوان الطيف، ويتلوها أربعة وعشرون شيخاً يجللهم وقارهم، وتلقي عليهم الهيبة رداءها، وتكلل رءوسهم زهرات الزنبق وتتبعهم عربة يقودها حيوان يشبه الأسد، بيد أن له رأساً، وأن له أجنحة كأجنحة الطيور ورءوسها.
تلك العربة كانت تحمل بياتريشي جاءت تستقبله لتكون دليله في جنبات الفردوس المحرمة على فرجيل أن يلج بابها. وقد افتن شاعر الطليان في وصف بياتريشي وعربتها، وما احتف بها من راقصات، ومن سحائب الزهور افتنانا جعل ذلك الوصف في طليعة كوميديته إبداعاً وفتنة. وكذلك نرى فيرسالة الغفران وصف الطريق إلى الفردوس، وامتداح